يقود محمد العامري (36 عاما) سيارته التاكسي، وهو يضع منشفة على رأسه، فاتحا النوافذ في درجة حرارة تصل إلى 47 درجة مئوية، لكنه يشكو كساد الرزق لأن تبريد السيارة لا يعمل.
ويقول العامري، خلال حديث له، إنه أصلح التبريد قبل أسبوع، لكنه تعطّل مجددا، فيما يشير بغضب إلى أن “معظم المواد الموجودة في السوق لصيانة تبريد السيارات هي مواد رديئة”.
ويضيف أن “الزبون من حقه أن يستأجر سيارة تحتوي على تبريد لأن درجات الحرارة لا تحتمل”، مشيرا إلى أن إصلاح تبريد سيارته كلفه 150 ألف دينار (نحو 100 دولار)، لكن بلا جدوى، لذا سيضطر للعمل في الليل فقط حتى يجمع مالاً لإصلاحه مجددا.
ويوفر فصل الصيف في العراق، فرص عمل موسمية للعاملين في مجال التبريد وصيانته، سواء للمنازل أو للسيارات، إذ ينشط العاملون في هذه المهنة التي يتخذها البعض كعمل ثان أو رئيسي خلال هذه الفترة التي تشهد ارتفاع درجات الحرارة.
وتبلغ متوسط درجات الحرارة في العراق حوالي 38 درجة مئوية (100.4 درجة فهرنهايت)، في الصيف (تموز يوليو وآب أغسطس)، وعلى الرغم من أن ذروة الصيف لم تحل حتى الآن لكن الحرارة كانت قد وصلت إلى هذه الدرجة يومي الأحد والاثنين الماضيين.
وفي ورشة لصيانة تبريد السيارات، في الحلة مركز محافظة بابل، تتكدّس عشرات العجلات التي تنتظر دورها للكشف عن الأعطال التي أصابت التبريد وإصلاحها، إلا أن الانتظار قد يطول لساعات أو أيام بسبب زخم العمل.
ويؤكد صاحب الورشة علي ياسين، خلال حديث لـه، أنه يقوم بإصلاح نحو 7 – 10 سيارات في اليوم الواحد، لافتا إلى أن “عمل التبريد يكون موسميا إذ يبدأ منذ شهر أيار مايو ويستمر لثلاثة أشهر، لذا أقوم بتشغيل ثلاثة عمال معي خلال الموسم الصيفي الذي يشهد حركة كبيرة لاسيما في موجات الحر التي تمر بها البلاد”.
وعن أبرز الأعطال التي يواجهها، يضيف ياسين، أن “هناك الكثير من الأعطال منها تسرب الغاز، فحين يكون هناك تسرب في نظام التبريد، يؤدي ذلك إلى نقص في كمية الغاز المبرد، وبالتالي سيصبح المكيف غير قادر على تبريد الهواء بشكل كافٍ”.
ويتابع: “كما يمكن أن يكون العطل من الضاغط وهو المسؤول عن ضخ الغاز المبرد في نظام التبريد، أو يكون الخلل في المروحة”، مشيرا إلى أن “الكثير من الأعطال هي نتيجة الاستخدام السيئ وعدم الخبرة، لذا أقوم بتوجيه الزبائن بخطوات تحافظ على تبريد سياراتهم”.
ولا ينعش الصيف العراقي عمل ورش تبريد السيارات فحسب، فتنصيب وصيانة مكيفات المنازل عمل آخر اضطر المهندس مهند محمد (47 عاما) إلى طلب إجازة كل موسم في بداية الصيف من دائرته لغرض العمل في هذه المهنة.
ويتحدث محمد ، عن أن “الموسم الصيفي يكون بمثابة حبل إنقاذ لي لتسديد المستحقات المالية وتوفير متطلبات معيشتي ودراسة أولادي، لأن الراتب الحكومي لا يتعدى 600 ألف دينار، لذا اضطر في بداية الموسم إلى طلب إجازة لمدة شهر بتفرغ تام، وبعدها أكمل عملي في تنصيب السبالت في أيام العطل وبعد نهاية الدوام الرسمي”.
ويتطلب تنصيب المكيف 40 ألف دينار عراقي (نحو 25 دولارا) لدى المهندس محمد، بينما تختلف أسعار الصيانة بحسب نوع العطل، كما يضيف.
وكانت مؤسسة عراق المستقبل للأبحاث، كشفت بداية العام الماضي أن العراق استورد خلال السنوات الخمس الماضية أكثر من 9.25 مليون وحدة تكييف من الصين وبقيمة بلغت 2.64 مليار دولار، لافتة إلى أن نسبة النمو ارتفعت بمقدار 5 بالمئة خلال السنوات الماضية حيث كان عدد المكيفات المستوردة خلال 2017، قرابة 1.5 مليون وحدة تكييف بمبلغ 389 مليون دولار بينما بلغت في 2022 أكثر من 1.86 مليون وحدة تكييف بقيمة بلغت 621 مليون دولار.
وتوقعت المؤسسة أن تصل عدد وحدات التكييف المستوردة من الصين خلال 2028 إلى أكثر من 2 مليون وحدة تكييف في السنة الواحدة نتيجة ارتفاع معدلات النمو السكاني والطلب على الوحدات السكنية وارتفاع درجات الحرارة في العراق.
إلى ذلك، يذكر الخبير الاقتصادي عبد الرحمن المشهداني، خلال حديث لـه، أن “ورش التبريد وصيانته موجودة في كل دول العالم، إلا أن العراق يختلف من حيث العمل لأن درجات الحرارة لا تصل في أغلب دول العالم إلى ما تصل إليه هنا، إذ وصلت هذه الأيام وقبل الدخول في ذروة الصيف إلى 47 درجة مئوية، ونحن ما زلنا في حزيران”.
ويضيف المشهداني، أن “الطقس يؤثر بالتأكيد على أجهزة التبريد لأن استخدامها يكون بشكل مكثف سواء مكيفات المنازل أو السيارات، إذ لا أحد يستطيع الجلوس في المنزل أو الخروج في السيارة من دون تبريد لاسيما مع وجود الزحامات”.
وبالنسبة لتبريد المنازل، يشير المشهداني إلى أن “هناك أسبابا للأعطال وهو التذبذب في الكهرباء وعدم استقرارها وهذه أحد الأشياء التي تقصر عمر الأجهزة، إضافة إلى أن العراق يستورد أجهزة غير مطابقة للمواصفات المناخية العراقية، إذ يفترض أن نستورد أجهزة تبريد تناسب أجواءنا”، لافتا إلى أن “كل الماركات التي نستوردها تصنع في الصين لكن بأسماء مختلفة ووفق طلبات ومواصفات التجار العراقيين”.
ويكمل أن “السلع المنزلية في العراق بلا ضمان حقيقي، فعند وجود عيوب مصنعية في أي سلعة لا يقوم البائع بإرجاعها أو قد يقوم بإرسالك إلى ورشة بعيدة تتطلب مزيدا من تكاليف النقل ومن ثم الصيانة”.