عادت ظاهرة هجرة الشباب الكرد إلى الواجهة مجددا، بعد تسجيل معدلات هجرة عالية من إقليم كردستان العراق إلى دول أوروبا، للفترة من كانون الثاني يناير إلى تموز يوليو الماضيين، بالرغم من تحملهم ظروفا شاقة دفعتهم للمخاطرة بأرواحهم، ما عزاه سياسيون وناشطون إلى فقدان الأمل، وانعدام فرص العمل، وتفاقم الأزمات الاقتصادية والسياسية.
ويقول رئيس جمعية اللاجئين العائدين من أوروبا إلى إقليم كردستان بكر علي، خلال حديثه لـه ا، إن “إحصائية أولية للأشهر السبعة الأولى من العام الحالي، كشفت عن أكثر من خمسة آلاف مواطن من إقليم كردستان، أغلبهم من محافظة السليمانية (نحو 265 كلم شمال بغداد)، شدوا الرحال وهاجروا إلى أوروبا، وأن القسم الأكبر منهم توجه إلى بريطانيا”.
ويطالب علي، حكومة الإقليم والجهات المعنية في العراق، بـ”التعاون والعمل على إيجاد حل لهذه المعضلة، وتوفير الظروف المناسبة التي تمنع هجرة الشباب، والمخاطرة بأرواحهم”.
وشهدت سواحل إيطاليا، قبل نحو شهر، وفاة ما يقرب من 70 شخصا بينهم 26 مواطنا عراقيا كرديا، كانوا على متن قارب يقل مهاجرين.
وبحسب رئيس جمعية اللاجئين العائدين من أوروبا، فقد “شهد الأسبوع الماضي، وفي وقتين منفصلين غرق قاربين، أحدهما كان يقل 76 شخصا، والآخر 70 شخصا، أحد القاربين حدثت له مشاكل بالقرب من سواحل إحدى الجزر اليونانية، وحالفنا الحظ وتمكنا من الاتصال بخفر السواحل اليونانية، لتتمكن من إنقاذ المنكوبين من الغرق وانتشالهم من المياه ونقلهم إلى دولة اليونان”.
ويناشد علي، شباب إقليم كردستان، بـ”أن لا يسلموا أنفسهم وحياتهم لقدر مجهول، وأن لا يسلموا أرواحهم لتجار الموت وأمواج المياه العاتية، كون هؤلاء التجار لا هم لهم سوى الحصول على المكاسب المادية، فالحياة في الإقليم رغم أنها ليست وردية، لكنها أفضل من المجازفة بالروح”، محملا نواب إقليم كردستان “مسؤولية تفاقم ظاهرة الهجرة، جراء سوء الأوضاع المعيشية وغياب العدالة الاجتماعية”.
وهاجر بين 36 و38 ألف شاب من إقليم كردستان خلال السنوات 2020- 2022، فيما تراجعت المعدلات إلى مستويات منخفضة خلال العام الماضي بسبب الحرب الروسية الأوكرانية، لتبلغ 1030 شخصا فقط، قبل أن تعود الهجرة إلى الواجهة مع حلول العام الحالي، بحسب رئيس شبكة المنظمات المدنية في إقليم كردستان سيروان گردي.
من جهتها، تقول روناك ماجد، السياسية المعارضة لحكومة إقليم كردستان العراق، خلال حديث لـه، إن “مدن كردستان تخلو من الحياة، إذ لا أمل يعزز بقاء الشباب في الإقليم، فالحياة شبه معدومة، لا فرص عمل، ولا توجد حرية رأي، ولا خطة لتشغيل الخريجين، والنظام التعليمي منعدم، ناهيك عن سوء النظام الصحي”.
وتضيف ماجد، أن “فساد الأحزاب الحاكمة القابضة على السلطة، وهي تقوم بسرقة كل مقدرات الإقليم، جعل الشباب يفكرون بالهجرة، رغم المشقة والمصاعب التي يصادفونها، كحالات الموت والغرق في البحر”.
وتشير إلى أن “الشباب في كردستان وصلوا لمرحلة اليأس، نتيجة عدم وجود فرص عمل في القطاع الحكومي، وأيضا، انعدام الفرص في القطاع الخاص، وعدم وجود قرارات لإجبار الشركات والمعامل والمصانع على تشغيل المواطنين من سكان الإقليم، كما أن أغلب الشباب يرون حياة الترف والثراء لدى أولاد المسؤولين وقادة الأحزاب، بينما هم غارقون بحياة البؤس والفقر، ولا يتلقون تعليما جيداً، ولا يمارسون هوايتهم، بالتالي أول ما يفكر به هو الهجرة”.
وعلى الرغم من تمتع إقليم كردستان باستقرار أمني وخدمي، إلا أنه واجه أزمات منذ عام 2014، عقب سيطرة تنظيم “داعش” على مساحات واسعة من العراق، وهبوط غير مسبوق في أسعار النفط، وتداعيات خوضه استفتاء للانفصال، لتعمق من أزمته الاقتصادية وعجز السلطات عن دفع مرتبات الموظفين، وتراجع في الخدمات مع ارتفاع في الأسعار وانتشار البطالة، إلى جانب عدم الاستقرار السياسي، وتخللت هذه المدة موجات من التظاهرات احتجاجا على سوء المعيشة.
إلى ذلك، يرى الناشط مريوان حسين، خلال حديث لـه، أن “الحياة في إقليم كردستان باتت تفتقر إلى أبسط معايير العيش الكريم، وبالتالي بات تفكير الشباب، هو الهجرة إلى الدول الأوربية رغم المخاطر، واحتمالية الموت”.
ويلفت حسين، إلى أن “الوضع الاقتصادي وأزمة الرواتب المستمرة، وانعدام فرص العمل، وانعدام الحريات العامة والتعبير عن الرأي، هو ما أجبر الآلاف من الشباب على اختيار طريق الهجرة، رغم مصاعبه العديدة”.
ويبين أنه “لو أتيحت الفرصة اليوم لكل شباب الإقليم لهاجر أكثر من 90 بالمئة منهم، فالشباب يرون الظلم بأعينهم، ويرون الحياة السوداوية، فأبناء المسؤولين يتنعمون بأفضل تعليم، وأفضل معيشة، وسيارات فارهة، ويسافرون ويدخلون أرقى المطاعم، والقاعات الرياضية، بينما الشباب الذين يتخرجون من الجامعات لا يجدون فرص العمل، ولا الاهتمام، ولا يملكون أجرة للاشتراك بالقاعات الرياضية، أو ممارسة الهوايات المختلفة، ويشترون ملابسهم من البالات”.
وقبل عام من الآن، عاش المهاجرون العراقيون ولاسيما الكرد منهم، ظروفا صعبة على حدود بيلاروسيا، وقضى الكثير منهم نحبه بعد أن بقي عالقا على الحدود البيلاروسية باتجاه أوروبا.
من جهته، يذكر النائب السابق في البرلمان العراقي أحمد الحاج رشيد، أن “هجرة الشباب من مدن الإقليم، لم تتوقف، ولكنها تراجعت قليلا، بسبب تشديد السلطات الأوربية على حدودها”.
ويوضح رشيد، خلال حديثه لـه، أن “هنالك حالة يأس وصل لها المواطنون بشكل عام، والشباب بشكل خاص، وأبسط مثال قضية الرواتب، كلما نقول إنها حلت، تعود الأزمة لتتعقد، ويعيش المواطن معها دوامة أزمات جديدة، بسبب الفساد الموجود لدى أحزاب السلطة الحاكمة، وهذا ما جعل المواطن يفكر بالهجرة كحل وحيد”.