13 Mar
13Mar

لم تكن الحاجة الى الاقتصاد الرقمي سابقاً أكثر مما هي عليه الآن، حيث أظهرت أزمة جائحة كورونا منافع هذا النوع من الاقتصاد الذي بات اليوم يشكل جزءاً مهماً من أي تجارة متقدمة متطورة مواكبة لتطورات العالم المتقدم، فيما أفضت تلك التطورات المتسارعة الى محاولة المجتمع الريادي في العراق لتأسيس تطبيقات التجارة الإلكترونية التي مازالت قيد التأسيس، مقارنة بالدول المتقدمة، بينما تواجه بعض مشاريع التطبيقات صعوبات ومعرقلات، جزء منها يقع على عاتق الدولة والآخر يقع على عاتق ثقافة المجتمع الإلكترونية.

5 مليار دولار حجم الاقتصاد الرقمي العراقي
ويقول الرئيس التنفيذي ومؤسس تطبيق مسواك، وهو أكبر تطبيق للتجارة الإلكترونية في العراق، عمار أمين: "يقدر حجم الاقتصاد الرقمي في العراق في 2022 بخمسة مليار دولار امريكي أي ما يعادل (2-3%؜) من إجمالي الناتج المحلي، عند مقارنة هذه النسبة بالمعدل العالمي والذي يبلغ 15.5٪؜ ومقدر ان يصل الى 24%؜ من اجمالي الناتج العالمي، و نسبة 8% في الدول العشرين بواقع 3.2 تريليون يورو، نستنتج ان حصة الاقتصاد الرقمي ومساهمته في الاقتصاد العام في العراق مايزال متواضعاً نسبياً، مع الأخذ بنظر الاعتبار ان الاقتصاد العراقي يفتقر الى التنويع ويعتمد بشكل كبير جداً على النفط".

ويرى أمين خلال حديث لـه، أن "الاقتصاد الرقمي هو مكمل للاقتصاد التقليدي، وأنه يشترك في الكثير من عوامل نجاحه، وخاصة في البنية التحتية غير الرقمية مع عوامل نجاح الاقتصاد التقليدي، وأن أحد أهم مميزات الاقتصاد الرقمي هي تمكنه من النمو والتوسع بسرعة وسهولة تفوق إمكانيات الاقتصاد التقليدي، وعليه، فإن نجاحه في العراق يعني معدل نمو اقتصادي عام أكثر سرعة، والذي بدوره يعني خلق فرص أكثر للنجاح بوقت أقل"، لافتا إلى أن "حاجة العراق الى تحقيق التنويع والاستدامة في الاقتصاد هي حاجة حرجة ومصيرية بالنظر الى مستقبل القطاع النفطي المثير للشكوك وطبيعة الإنفاق المتطلبة للموارد في عمل الدولة العراقية، فالنجاح في تطوير الاقتصاد الرقمي هو أحد أهم الإنجازات الاستراتيجية التي من المفترض الاستثمار فيها الآن".


اقتصاد عشوائي غير منظم
ويضيف "بالرغم من أن حجم التداولات في الاقتصاد الرقمي العراقي تجاوز الخمسة مليارات دولار في 2022 والذي قد يبدو بالنظر الى نسبة النمو السنوي رقماً جيداً، إلا أن هذا الاقتصاد هو ما يزال عشوائيا في أغلب أجزائه ويقع خارج إطار التنظيم. يتجمع هذا التداول من كمية كبيرة جداً من الحركات الصغيرة التي يديرها افراد و عبر شبكات التواصل الاجتماعي بحصص سوقية صغيرة جداً و متفرقة. هذا يعني ان هذا الاقتصاد المثير للاهتمام لا يخضع الى الرقابة او التشريع والتنظيم الحكومي، ولا يساهم بعوائد ضريبية الى الخزانة الحكومية ولا يمكن تطبيق حماية المستهلك فيه. وهذا ايضاً يعني صعوبة تحقيق نمو مستدام و العمل على تحقيق تكامل مع الاقتصاد التقليدي على فرض وجود تشريعات وتنظيمات بناءة ومساعدة للنمو".

وبشأن مقومات نجاح الاقتصاد الرقمي، يبين أمين أنها تعتمد على: "تشريعات وتنظيمات بناءة، رؤوس أموال مهتمة بالاستثمار، بنية تحتية مصرفية حديثة، كفاءات و مهارات حديثة ومواكبة للتطور لإدارة الشركات السباقة في قيادة التحول نحو الاقتصاد الرقمي. كما تحتاج هذه المفاصل جميعاً الى العمل سوية و مراجعة التحديات والفرص والخروج بحلول سريعة لتحقيق الاستدامة في النمو. لكن الواقع العراقي الآن يفتقر الى جميع هذه المفاصل بنسب متفاوتة! برأيي فإن التشريعات تكاد تكون غائبة تماماً، وان المحاولات الصغيرة الحالية في كتابة التشريعات تبدو مقلقة للغاية و غير بناءة. رؤوس الأموال الناضجة والمهتمة في القطاعات التقنية قليلة و صعبة الوصول والإقناع ولا تزال تميل باتجاه الاعمال التقليدية التي تبدو اقل خطورة. البنية التحتية المصرفية قليلة الكفاءة ولا تستجيب بسرعة الى المتطلبات الحديثة، والكفاءات قليلة وتعاني من الإحباط بسبب الصعوبات في المفاصل الأخرى أعلاه. ختاماً، لا يمكن التعامل مع الوعي المجتمعي كمسبب للفشل او النجاح! برأيي، ان بناء التحول الجدي والناجح من جهة العرض هو المسؤول عن توليد الطلب و زيادة الوعي المجتمعي و بناء الرغبة لدى المستهلك في التحول والتعامل مع الخدمات الرقمية والتطبيقات، وليس العكس".

وفيما يتعلق بمنح القروض المصرفية لتأسيس مشروع تطبيق إلكتروني، يجيب "لا أستطيع الإجابة بشكل عام عن طريقة بناء القرارات لدى المصارف حول منح القروض لتأسيس التطبيقات، لكن من تجربتي الشخصية فقد حاولت الحصول على قروض وفشلت بعض المحاولات ونجح بعضها. لكن بشكل عام فان المصارف تبحث عن درجة الخطورة و امكانيات النجاح في الأعمال لتقرر منح القروض، فبكل الأحوال، يحتاج مؤسس الشركة الى دراسة جدوى مقنعة للحصول على التمويل المصرفي بغض النظر عن طبيعة عمله".

بينما يفيد مصدر مقرب من البنك المركزي العراقي رفض الكشف عن اسمه، بأن المصارف في العراق لا تمنح قروضاً ومنحاً لمشاريع التطبيقات الإلكترونية في العراق.


لا ديمومة لمشاريع التطبيقات الإلكترونية
من جانبه، يقول خبير الشبكات الإلكترونية والأكاديمي الدكتور علي الوشاح، في حديثه  إن "مفهوم ديمومة المشاريع لا يوجد في العراق فالمشروع لا يدوم في العراق 10 سنوات، فمشاريع التطبيقات في العراق تفكر بالارباح والفائدة القريبة ولا تدوم أكثر من ذلك".

ويضيف، "أي مشروع تطبيق إلكتروني يتأسس ويُباع بعد فترة وجيزة هذا ليس نجاح حتى وان حقق ارباحاً عالية". وتابع "توسع المشاريع في العراق يحتاج الى مبالغ طائلة فيلجأ المستثمر الى بيع المشروع لمستثمر آخر".

ويبين، "تكلفة التطبيق تصل نحو 150 الف دولار امريكي وهذا في العالم وليس فقط في العراق، حيث الاشتراك مع شركة ابل بنظام IOS يكون الف دولار بالسنة". واكمل، "عملية الشراء والتبضع من التطبيقات تحتاج الى الدفع الإلكتروني والناس تتخوف من ادخال أموالها في البطاقات الذكية بسبب عدم تجذر الثقافة الإلكترونية، وعدم وجود الثقة المصرفية".

ويتابع، "الدولة والقطاع الخاص لم يُهيئا العوامل الجيدة لخلق ثقافة التجارة الإلكترونية، للاستفادة منها في الوقت المناسب، فعلا سبيل المثال، لم يستغل العراق أزمة جائحة كورونا لصالح تجارة التطبيقات الإلكترونية، وما حصل من نشاط هو لا يرقى الى تجارة تطبيقات إلكترونية بل هو مجرد مراسلات بريدية عبر صفحات التواصل الاجتماعي في فيسبوك وانستغرام".

وينوه خبير الشبكات الإلكترونية، إلى أن "المصارف في الدول المتقدمة تمنح القروض لمشاريع تأسيس التطبيقات، في حين لم نر هذا الامر في العراق".

وبين، "العراق غير متحول إلكترونيا الى الان، فمراحل تحول الدول هي من الورقية الى الإلكترونية ثم الى الديجتال (الرقمي)، وهذه الانتقالات الدولة العراقية مازالت في مكانها ولم تمر بها".



فقر التقنيات المالية
إلى ذلك، يقول مدير مشروع تطبيق تازة لتجارة الخضروات، سرمد زهير عطرة: "ما زال العراق في بداية الطريق في مجال تجارة التطبيقات الإلكترونية، بسبب الصعوبات والمعوقات التي يمر بها في مجال التسويق الرقمي".

ويوضح عطرة، في حديث لـه، أن "المواطن بعيد كل البعد عن أمور الرقمنة وأن بعض الناس لم تؤسس إيميل في هواتفها"، لافتا إلى أن "من المفارقة امتلاك كثير من المواطنين بطاقة دفع، وتوطين رواتب، ولكنهم يعتبرون الكارت وسيلة للحصول على الراتب فقط، ولا يملكون وسيلة للتسوق on line".

ويؤكد، أن "كل الخدمات الجديدة، والنقلة التي ستحصل، ستكون عبر القطاع الخاص، فهو يملك الأموال وسهولة صرف الأموال واستيعاب الأفكار والقطاع الحكومي بعيد كل البعد عن هذا الموضوع".

ويشهد استخدام الإنترنت والهواتف المحمولة في الشرق الأوسط مفارقة عجيبة، ففي الوقت الذي تشهد فيه شعوب دول المنطقة استخداماً عالياً للإنترنت ولبرامج التواصل الاجتماعي، إلا أن هذا الاستخدام يوازيه ضعف في الثقافة الرقمية للمستخدمين، ويشكل المستخدم العراقي جزءاً من تلك المفارقة التي صنعها المستخدمين.

تعليقات
* لن يتم نشر هذا البريد الإلكتروني على الموقع.
حقوق النشر © 2024 جميع الحقوق محفوظة - وكالة انباء النافذة