مرت الذكرى السابعة لاستفتاء انفصال إقليم كردستان، يوم أمس الأربعاء، وسط مشاعر مختلطة بين من رآه حرية رأي للشعب الكردي في تقرير مصيره، وبين من اعتبره أسوأ خطوة أدت لخسارة الكرد مكاسب حصلوا عليها بعد 2003.
ومنذ 25 أيلول سبتمبر 2017، يعيش الكرد في أزمات متوالية، سياسية واقتصادية وأمنية، فضلا عن انشقاقات وصراعات سياسية مستمرة بين مختلف الأحزاب، حيث بدأت فكرة الاستفتاء بإصرار رئيس إقليم كردستان آنذاك مسعود بارزاني، بالرغم من التحذيرات الدولية وقرارات القضاء العراقي ومطالبات التأجيل من قبل القيادات السياسية في العراق، وتهديدات دول الجوار، وخاصة تركيا وإيران.
ويقول عضو الاتحاد الوطني الكردستاني، حسن آلي، في حديث لـ”العالم الجديد”، إن “الاستفتاء هو حق طبيعي ومشروع لكل الشعوب، ومنها الشعب الكردي، لكن التوقيت كان خاطئا، والإصرار عليه، تسبب بفشل كبير”.
ويعبر حسن، عن أسفه لما نتج عن تلك الخطوة، بالقول “بدلا من أن تتحمل قيادة الاستفتاء آنذاك، وخاصة قيادة الحزب الديمقراطي (الكردستاني) الحاكم، المسؤولية ومهام معالجة تداعيات فشل ومداواة جروح ما بعد النكسة، إلا أنها تعاملت بخطاب غير مشروع وغير مسؤول، من التخوين وشق صفوف الشعب”.
ويتابع “قبل الاستفتاء، كنا نتمتع بامتيازات كبيرة، وكانت المناطق المتنازع عليها تدار كرديا، وكل شيء كان يسير على ما يرام، والإقليم كان شبه دولة، ولكن الكثير من الصلاحيات تقلصت اليوم”.
ويشير إلى أن “الحزب الديمقراطي، ترك المناطق المتنازع عليها، وتخلى عنها، ولاسيما أنه كان يسيطر على المفاصل الرئيسة للحكم، لذا شرع على الصعيد الخارجي، في الخضوع وتجميد نتائج الاستفتاء والتوسل وتقديم تنازلات تلو الأخرى، واليوم ما زال الشعب الكردي يتحمل تلك النتائج الكارثية”.
وكان الاستفتاء على استقلال كردستان، قد أجري في يوم 25 أيلول سبتمبر 2017، مع إظهار النتائج التمهيدية إدلاء الغالبية العظمى من الأصوات بنسبة 92 بالمئة، لصالح الاستقلال ونسبة مشاركة بلغت 72 بالمئة.
وصرحت حكومة إقليم كردستان بأن الاستفتاء سيكون ملزما، لأنه سيؤدي إلى بدء بناء الدولة وبداية للمفاوضات مع العراق، بدلا من إعلان الاستقلال الفوري، لكن الحكومة الاتحادية رفضت شرعية الاستفتاء.
كما واجه الاستفتاء معارضة واسعة من بغداد وغالبية دول المجتمع الدولي، التي عبرت عن مخاوفها في أن يكون عاملا لزعزعة استقرار المنطقة وعرقلة جهود مواجهة تنظيم داعش.
من جهته، يؤكد السياسي الكردي المستقل، محمود الشيخ، خلال حديثه لـ”العالم الجديد”، أن “الكرد قبل الاستفتاء كانوا يتمتعون بامتيازات وصلاحيات تشابه صلاحيات الدول، والقوات الكردية من البيشمركة والآسايش كانت تتواجد في كركوك وباقي المناطق المتنازع عليها، وكانت تلك المناطق تدار من قبل الأحزاب الكردية، أما الآن فقد تراجعت البيشمركة إلى ما بعد الخط الأزرق، ولم يعد بإمكانها التقدم خطوة واحدة، بينما تلك المناطق تدار من قبل الحكومة الاتحادية حصرا، ولا يرفع فيها سوى العلم العراقي”.
يذكر أن الخط الأزرق تم تشكيله بموجب قرار 687 في مجلس الأمن عام 1991 لرسم المنطقة الآمنة التي يحظر فيها الطيران العراقي، وكذلك الاجتياح البري والتي أصبحت فيما بعد حدود إقليم كردستان عام 2003، حيث تخطتها قوات البيشمركة التابعة للحزبين الرئيسين وسيطرت على أراض في نينوى وكركوك وديالى، تمت تسميتها بالمتنازع عليها في الدستور الذي تم التصويت عليه في 2005.
ويلفت الشيخ، إلى أن “رؤساء الدول والمسؤولين كانوا يزورون الإقليم بشكل طبيعي، أما الآن فيجب أخذ موافقة بغداد، قبل زيارة أي مسؤول أجنبي لمدينة أربيل، لآن مطارات الإقليم، أصبحت تحت سلطة الطيران المدنية”.
ويضيف أن “الإقليم كان يتمتع بالاستقلالية في قضية تصدير النفط، وإدارة المنافذ الحدودية، وإدارة اقتصاده وأمواله، وفوق ذلك، يحصل على الموازنة والرواتب بشكل منتظم، أما اليوم، فالنفط بيد بغداد، والمنافذ الحدودية تدار بطريقة مشتركة، والأزمة المالية خانقة، وبغداد هي من ترسل الرواتب، وبحسب القوائم التي يلتزم الإقليم بتسليمها شهريا فقط، وهذا يعني أن كردستان صارت عبارة عن محافظة تتمتع بصلاحيات بسيطة”.
وبعد الاستفتاء، توالت عملية إخضاع إقليم كردستان للسلطة الاتحادية في بغداد، بدءا من قرار السيطرة على مطارات كردستان وجعلها خاضعة لسلطة الطيران المدني، بالإضافة إلى انسحاب البيشمركة من المناطق التي كانت تسطير عليها ويديرها الكرد، وأبرزها كركوك، وخانقين ومندلي والسعدية في ديالى، فضلا عن طوز خورماتو في صلاح الدين، ومناطق الحمدانية وسنجار وفايدة وشيخان في محافظة نينوى، وليس انتهاء بمنع الإقليم من تصدير النفط، وإخضاعه لإشراف شركة النفط الوطنية “سومو”.
إلى ذلك، يرى الصحفي الكردي ميران أحمد، خلال حديثه لـ “العالم الجديد”، أن “أسوأ قرار اتخذته الأحزاب الكردية الحاكمة، هو قرار الاستفتاء، فقد كان قرارا كارثيا، أدى لخلق كم كبير من المشاكل التي يعيشها الكرد حاليا”.
ويضيف أحمد، أن “إقليم كردستان الآن لا يمتلك من الإقليم سوى الاسم، فبغداد هي من تدير كل شيء، وحتى الانتخابات تدار من قبل المفوضية الاتحادية، والمحكمة الاتحادية تلغي أي قرار لا يتناسب مع العراق، والحكومة الاتحادية هي من تصرف الرواتب، وترسل الوقود والمواد الغذائية”.
ويتابع أن “الأهم بعد الاستفتاء، لم يعد المواطن الكردي يثق بالأحزاب الكردية، ولم يعد يكترث لقضية كردستان، وصار يتمنى العيش تحت مظلة بغداد، ورأينا كيف تخرج التظاهرات وهي تطالب بإشراف الحكومة العراقية على صرف الرواتب بشكل مباشر، لأنه لا يثق بتلك الأحزاب بسبب فسادها”.
واستذكر زعيم الحزب الديمقراطي الكردستاني مسعود بارزاني، الذكرى السابعة لاستفتاء إقليم كردستان، بأبيات من الشعر، وقال في منشور على منصة إكس، مستشهدا بقول مأثور للشاعر ميخائيل نعيمة: “إنَّ الحريةَ أثمنُ ما في الوجود، لذلك كان ثمنُها باهظا”.
كما أصدر المكتب السياسي للاتحاد الوطني الكردستاني بيانا في ذكرى الاستفتاء، قال فيه إن قيادته “تعمل جاهدة، بالاستناد الى وعي شعبنا والرغبة في تصحيح مسار الحكم والتصدي للاحتكار والأخطاء في السياسة والإدارة، لطي صفحة الأوضاع المأساوية في الماضي، وكله أمل بجماهير شعب كردستان، لكي يعاقبوا سياسة التهور والاحتكار واللامبالاة، ويخلقوا فرصة جديدة لشعبنا، للإتيان بحكم مسؤول وجدير، ليعود العصر الذهبي للرئيس جلال طالباني”.
من جانبه، يؤكد عضو الحزب الديمقراطي الكردستاني دلشاد شعبان، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، أن “الاستفتاء كان عبارة عن حرية رأي لشعب قال كلمته، ولم يكن جريمة، لكن جرت معاقبته من خلال ممارسات شوفينية كانت موجودة في بغداد آنذاك، حيث تم تجويع شعب كردستان، مع إصدار عقوبة جماعية بحقه، لكنهم لم ينجحوا بذلك”.
ويردف شعبان، أن “الشعب الكردي قال كلمته، من خلال تصويت ما نسبته 93 بالمئة لصالح الاستفتاء، وهذا تعبير حقيقي عن إرادة كردية وحلم يراود الملايين، وسيتحقق يوما ما”.