أكد رئيس تيار الحكمة، عمار الحكيم، اليوم السبت، ليس صحيحا البدء من الصفر كلما تشكلت حكومة جديدة وأن تنشغل بالإجراءات الوقتية.
وقال الحكيم، في كلمة له خلال الحفل التأبيني الرسمي بيوم الشهيد العراقي، تابعتهاوكالة (النافذة): "في الأول من رجب "يوم الشهيد العراقي" يحيي العراقيون ذكرى شخصية وطنية خالدة في الذاكرة والوجدان، لها من التاريخ الجهادي والوطني ما خبرته البراري والأهوار والسهول والجبال في وطننا الحبيب، وهي الذكرى العشرون لاستشهاد شهيد المحراب الخالد آية الله العظمى السيد محمد باقر الحكيم (قدس سره الشريف)".
وأضاف: "حينما نستذكر هذه الشخصية الفذة في جهادها وفي دفاعها عن حقوق العراقيين.. فإنما نستذكر معها تلك المواقف الصعبة والاستثنائية التي مر بها العراق لسنوات طويلة من المعاناة والحرمان والظلم والتغييب، وكيف استطاع العراق أن ينتقل من عهد الدكتاتورية والاستبداد، الى عهد الديمقراطية وتوحيد الصف الوطني".
وبين، أن "الأمم التي تعتز برجالها وتاريخ أبطالها، وتقف عند محطات التاريخ متأملة بأحداثها ومسارات المواقف فيها، لهي من الأمم التي تُنشئ أجيالها على العزيمة والتماسك والوحدة والارادة، وتجعلهم فخورين بتاريخهم ورجالهم، واثقين بمستقبل بلدهم وبمقومات النجاح فيه".
وتابع، أن "من عاصر شهيد المحراب (قده).. وسمع عنه وعن مواقفه الوطنية الخالدة.. لابد أن يتوقف طويلاً عند منهج الوحدة الوطنية التي رسخها هذا الشهيد الفذ في سلوكه السياسي ونضاله الجهادي ونظرته الثاقبة، هذه الوحدة التي تمثل صمام الأمان الحقيقي في حفظ بلدنا واستقراره وتماسك مجتمعنا، وصون كرامة شعبنا".
وأردف: "لقد كان (رضوان الله تعالى عليه) حريصا على ترسيخ منهج الوحدة الوطنية.. والاعتدال في المواقف السياسية.. واعتماد الوسطية دليلا في مواجهة المسارات الحرجة، لم يتوانَ يوما في نصرة المظلومين، وفي الدفاع عن حقوق جميع المكونات العراقية ، والاعتزاز بهويتهم الفرعية التي يراها امتدادا حقيقيا لهويتهم الوطنية الجامعة، فسلام الله على روحه الخالدة، والحقنا الله به ومن معه في ركب الصالحين الثابتين المخلصين لوطنهم وشعبهم".
وأضاف: "لقد شهدنا معا لحظات حاسمة وحرجة في مسار العملية السياسية طيلة عقدين من الزمن، وهذه العشرون عاما من الحراك السياسي المتصل، وعلى مدى خمس دورات برلمانية، كفيلة باستخلاص التجارب وتحديد مواطن الضعف ومواطن القوة، وتحديد محطات التهديد والفرص في العمل السياسي".
ولفتالحكيم، إلى أن "وعي شعبنا وإصراره في كل عملية انتخابية على احداث التغيير والتجديد في تداول السلطة وادارتها سلمياً، لهي مدعاة الى تثبيت قواعد آمنة في السلوك السياسي الملائم لبيئتنا العراقية وواقعنا المجتمعي وظروفنا المركبة، ومن أهم هذه القواعد هو معرفة التحديات وتشخيصها، والتعامل معها بروح المسؤولية الوطنية التي تجعل كلاً منا مسؤولاً من موقعه تجاه تنفيذ الالتزامات التي فرضتها طبيعة تلك التحديات وماتقتضيه من معالجات".
وتابع الحكيم: "فلا يمكن احداث التغيير المنشود.. والإصلاح المطلوب.. ومواجهة العقبات والقيود، من دون الالتزام بإجماع الكلمة منهجا في العمل السياسي.. ومسارا في توحيد الجهود".
وأوضح: "ولا يمكن لأي حكومة تنفيذية أن تعمل من دون اسناد سياسي وبرلماني فاعل ومؤثر، ولا يمكن أيضا لأي سلطة تشريعية أن تراقب وتصحح من دون تفاعل وتعاون حكومي متزن، جميعنا في مركب واحد.. وجميعنا ستُقيّمه أقلام التاريخ ودفاتر الوطن، وإذا لم نتوحد في مواجهة التحديات.. فلن يصمد نظامنا السياسي طويلاً ، وسيتعرض الى هزات أعنف مما تعرض له طيلة العشرين عاما".
وتابع الحكيم: "اسمحوا لي أن ألخص هذه التحديات بالآتي:
أولا/ التحدي السياسي
إن ما يميز الدساتير والأنظمة السياسية في العالم هو درجة تفاعلها وقدرتها على احداث التغيير الملموس لدى الشعوب وفي حياة المواطنين.. وكلما تحلى النظام السياسي بمرونة التغيير.. كلما أصبح الاستقرار السياسي أكثر ثباتا وتماسكا.. وكلما كانت الدساتير والقوانين قريبة من واقع المجتمع السياسي الذي تحكمه.. كلما زاد التزام المواطنين تجاه القوانين واللوائح الوطنية.
ونحن نعلم جيدا أن مرحلة كتابة الدستور مرت بظروف استثنائية أحاطتها الهواجس المتراكمة طيلة سنوات الاستبداد والدكتاتورية والتهميش وإلغاء الآخر، وكان لذلك أثر واضح في طبيعة بعض المواد الدستورية، وفي ظل التجربة السياسية وما آلت اليه الأمور من نضج سياسي وتراكم في تجارب المسار الديمقراطي.. أصبح التفكير بإعادة النظر في بعض المواد الدستورية أمرا جديا وضروريا ولابد من التوقف عنده، لاسيما وبلدنا يعاني من بعض المشاكل البنيوية بين فواعله السياسية، التي أصبحت مدخلا للخلاف والتناحر.
فاللجوء المستمر إلى تفسير بعض المواد الدستورية مع كل دورة انتخابية ومرحلة سياسية.. قد أوجد التزاما آخراً يضاف الى الالتزام بعلوية الدستور.. وهو من الأمور التي تسبب اضعاف الثقة والمصداقية بين الفرقاء والشركاء على حد سواء، فما زلنا نفتقر الى نظام انتخابي عادل وموحد.. غير خاضع لأمزجة الرياح السياسية وتقلباتها..
وما زلنا نفتقر الى حسم آليات العلاقة الاتحادية والفيدرالية وتطبيقاتها العملية بين الحكومة الاتحادية وبين إقليم كوردستان.. ولايمكن القبول بجعلها في مهب التصفيات والتدخلات الخارجية، وما زلنا نفتقر أيضاً الى وجود عقيدة عسكرية موحدة وإن كانت متنوعة في مفاصلها الأمنية..
لابد من مغادرة لغة التشكيك في ولاءات مؤسساتنا العسكرية والأمنية.. ويجب أن ننشغل في تطوير واحترافية هذا التنوع وادارته بفلسفة وطنية خالصة، وما زلنا نفتقر الى سياسة ردم الهوة وفجوة الثقة بين الحكومة والشعب..
ولنعترف بأننا لم ننجح في توليد ثقافة البناء والمسؤولية المشتركة بين المواطن والحكومة بالقدر الذي نتمناه.. فهناك من المشاكل والتحديات الكثيرة مايحتاج الى مصارحة حكومية مع الشعب لإشراكه في الحلول والمعالجات.
ثانيا/ التحدي الاقتصادي
لا يخفى على أحد عمق التحديات الاقتصادية التي لا تقتصر على العراق فحسب، بل إنها تشمل المنطقة والعالم بأسره، لكن ما يميز غيرنا هو استعدادهم المسبق لتجاوز الأزمة والذهاب نحو حلول جذرية تجعل من الأزمات الاقتصادية حلولاً وفرصاً جديدة.
إن ما يميز أزمتنا الاقتصادية هو أن حلولها داخلية بالدرجة الأساس وليست خارجية، ولا نحتاج الى تعاون أو تدخل خارجي كبير لحلها، فكل ما نحتاجه هو تشخيص دقيق لأولويات المعالجة والإصرار والصبر على تحقيق الأهداف المرجوة.
لدينا اقتصاد ريعي يعتمد بالأساس على النفط ، ولدينا زيادة سكانية كبيرة، ولدينا نقص كبير في البنى التحتية الاستثمارية، ولدينا ضعف في الأنظمة المصرفية، وما زلنا نعاني من ضعف الإجراءات الكفيلة بحماية المنتج الوطني وتطويره والوصول به الى مستوى الاكتفاء الذاتي محلياً على أقل التقادير.
لا تنقصنا الخبرات، ولا العقول البشرية، ولا المواد الأولية، في النهوض بالزراعة والصناعة والسياحة والتكنلوجيا والاستثمار، كل ما نحتاجه هو التخطيط المدروس.. والاهتمام بالعلم والمعرفة والتقنيات الحديثة بوصفها شروطا أساسية لتطوير البلد، والتراكمية في البناء وفي إكمال المسارات..
ليس من الصحيح أن نبدأ من الصفر كلما تشكلت حكومة جديدة، وليس من الصحيح أن تنشغل الحكومة بالإجراءات الوقتية (مهما كانت ضرورية) على حساب المشاريع الاستراتيجية التي تشترك في إنجازها الحكومات المتعاقبة، لتركز كل حكومة على مجال محدد ذي أولوية قصوى تنجزه خلال دورتها التنفيذية، وتهيئ في الوقت ذاته البنية السليمة والمراحل المتعاقبة للمشاريع الكبيرة الأخرى، بتلك الفلسفة نستطيع أن نُنجز.. ونستطيع أن نواجه الأزمات بروح المسؤولية المشتركة.
ثالثا/ التحدي الاجتماعي
إن عملية بناء بلدنا وتطويره لابد أن تراعي جميع الجوانب وجميع المستويات.. فلا يمكن أن نتحدث عن بناء وتطوير سياسي من دون أن يصاحب ذلك تطوير في البُنى الاجتماعية والثقافية.. فالمواطنة هي مزيج تفاعلي بين الحقوق والواجبات.. وهما أمران لا يمكن معرفتهما من دون وعي ونضج ثقافي واجتماعي..
لقد تعرض مجتمعنا.. وما زال يتعرض الى تشويش ثقافي دخيل ومقصود.. ينزع الى ضرب البنية المجتمعية ، ويستهدف نسيج الأسرة العراقية بشكل خاص.
فأزمة المخدرات.. والعنف الأسري.. والجرائم المنظمة.. والسلوكيات الفاضحة خارج القانون والقيم المتعارفة.. باتت ظواهر مستفحلة في حاضرنا المجتمعي ، للأسف الكبير..
نحن بحاجة الى ثورة اجتماعية كبيرة ومتسقة بين الحكومة وبين الشعب.. وبين جميع المؤسسات التربوية والإعلامية والمجتمعية.. نحتاج الى استراتيجية واضحة المعالم والأهداف والتوقيتات لإحداث نقلة مجتمعية وثقافية تتناسب مع هدف الإصلاح والتطوير الذي نرتضيه لنظامنا السياسي والمجتمعي في العراق.
وهو ما يحتاج الى تركيز حكومي وبرلماني في تطوير البنية التعليمية والتربوية في البلاد.. لدينا جيل سياسي وُلد مع اليوم الأول للتغيير في العراق عام ٢٠٠٣، وعلينا أن نسأل أنفسنا جميعا: هل انتبهنا جيداً لما يتطلبه هذا الجيل ولطريقة تفكيره .. ولما يحصنه من تشويش الدخلاء وأعداء البلد..
حمى الله العراق وشعبه وشبابه، وتحية إجلال واكبار لمرجعيتنا العليا متمثلة بالإمام السيستاني (دام ظله الوارف)
والرحمة والخلود لشهدائنا.. ولاسيما الشهيدين الصدرين وشهيد المحراب وعزيز العراق وقادة الانتصار.
ولا يمكن لأي حكومة تنفيذية أن تعمل من دون اسناد سياسي وبرلماني فاعل ومؤثر، ولا يمكن أيضا لأي سلطة تشريعية أن تراقب وتصحح من دون تفاعل وتعاون حكومي متزن، جميعنا في مركب واحد.. وجميعنا ستُقيّمه أقلام التاريخ ودفاتر الوطن، وإذا لم نتوحد في مواجهة التحديات.. فلن يصمد نظامنا السياسي طويلاً ، وسيتعرض الى هزات أعنف مما تعرض له طيلة العشرين عاما.