يتصاعد الخلافات والانقسامات بين القوى السياسية في العراق بشأن تعديل قانون الحشد الشعبي، والتي ترتكز أغلبها على تحديد سن التقاعد لقادته، وإعادة هيكليته وتحديد ولائه، رغم تأكيدات البعض بأنه سيمرر خلال جلسات البرلمان المقبلة.ويمثل هذا القانون الذي يعود إلى عام 2014 إحدى القضايا المعقدة والمثيرة للجدل في المشهد السياسي العراقي، حيث لعب الحشد الشعبي دورا محوريا في الحرب على داعش، مما جعله قوة مؤثرة في المشهد الأمني والسياسي للبلاد.
وفي عام 2024، أرسلت الحكومة تعديلا للقانون، يتضمن وضع حدود دنيا وعليا لرواتب منتسبي الحشد والسن القانونية للتقاعد، إلا أن مجلس النواب أخفق في التوصل لصيغة توافقية على القانون، في جلسته التي عقدت في الرابع 4 شباط فبراير الحالي، وتم رفعه من جدول الأعمال.وقال القيادي في الحزب الديمقراطي الكردستاني وفا محمد كريم، في حديث ”، أن قانون هيئة الحشد الشعبي، الذي تم التصويت عليه وأقره مجلس النواب العراقي في 26 كانون الأول ديسمبر 2016، ينص على أن يكون جزءا من المنظومة العسكرية والأمنية للدفاع عن الوطن، لكن هذا القانون قوبل بمقاطعة من نواب تحالف القوى السنية، الذين اعتبروه نسفا للشراكة الوطنية”.وأضاف أن “هيئة الحشد الشعبي ومؤسساتها وفصائلها شهدت العديد من المتغيرات، وظهرت مشاكل كثيرة، وانحدرت منها فصائل ومليشيات غير منتمية لرئاسة الوزراء والقائد العام للقوات المسلحة، وهذا أدخل العراق في مشاكل مع بعض البلدان بسبب تدخلات هذه الفصائل في مناطق من دون الرجوع إلى إمرة القائد العام للقوات المسلحة”.
وأشار كريم إلى أن “القانون بحاجة إلى تصفيات كثيرة في بعض مؤسسات الهيئة، وإلى إدماجها بشكل كامل مع المنظومة العسكرية الوطنية تحت إمرة القائد العام للقوات المسلحة، والسيطرة على السلاح المنفلت الموجود لديهم، وأن يكون السلاح خاضعا للدولة حصرا”.كما لفت إلى “وجود ملاحظات كثيرة حول الأعداد المسجلة والكبيرة للمنتمين تحت عنوان الحشد في الهيئة، “حيث نعتقد أن من بينهم الآلاف من الفضائيين”، مشددا على أن “كل هذه النقاط تحتاج إلى تصفيات وتعديلات كثيرة “لكي يستطيع أعضاء البرلمان، ومن ضمنهم الحزب الديمقراطي الكردستاني، الدخول والتصويت على تعديل قانون هيئة الحشد الشعبي”.
وأكد كريم أن “هذه هي المطالبات الأساسية، ليس فقط للحزب الديمقراطي وعدد من الأحزاب السياسية العراقية، بل هي مطلب لكثير من الدول وحتى للمجتمع الدولي، ليكون الحشد منظومة عسكرية أمنية خاضعة للحكومة كباقي المؤسسات الأمنية تحت إمرة القائد العام للقوات المسلحة، وأن يكون ولائها فقط للعراق لا لدول أخرى” حسب قوله.إلى ذلك، أكد النائب رفيق الصالحي، اليوم الثلاثاء، أن قانون الحشد الشعبي سيمرر في الجلسات البرلمانية القادمة، مشيراً إلى أن أغلب القوى السياسية تدعمه لما يتضمنه من حقوق مستحقة لمنتسبي الحشد الشعبي وذوي الشهداء.وقال الصالحي في حديث ، إن “أغلب القوى السياسية تدعم قانون الحشد الشعبي، نظراً لما يحتويه من بنود تضمن حقوق شريحة قدمت تضحيات جسيمة في سبيل تحرير العراق وإحباط المخططات الخبيثة التي استهدفت أمنه واستقراره بعد 2014″، مؤكداً أن “القانون سيمنح الضمان القانوني لذوي الشهداء والمصابين، كما يضمن حقوق مقاتلي الحشد الشعبي بشكل مباشر”.
وأضاف أن “القانون قُرئ قراءة أولى وثانية، وهو الآن في مراحله النهائية، وسيتم طرحه في الجلسات القادمة للتصويت عليه وتمريره بالأغلبية”، مشدداً على أن “القانون يمثل استحقاقاً وطنياً للتضحيات الكبيرة التي قدمها الحشد الشعبي وقادته على مدى أكثر من عشر سنوات، لذلك نحن نؤيد تمريره بأسرع وقت ممكن”.وأشار الصالحي إلى أن “الغالبية السياسية داخل البرلمان تدعم تمرير القانون دون خلافات تُذكر، لما له من أهمية في توفير الغطاء القانوني لحقوق الشهداء والجرحى والمقاتلين بشكل مباشر”.وتشهد الساحة السياسية في العراق جدلا واسعا حول مساعي الحكومة لإقناع الفصائل المسلحة في البلاد بتسليم السلاح أو الانضمام للقوات الأمنية، لا سيما بعد النكسات التي تعرض لها “محور المقاومة”، وتولي الرئيس الأمريكي دونالد ترامب سدة الحكم.
وكانت مصادر سياسية مطلعة في العراق كشفت، في 18 ديسمبر كانون الأول 2024، عن تلقي الحكومة العراقية رسالة أمريكية محرجة تطالبها بحل الحشد الشعبي ومكافحة السلاح المتفلت وإبعاد تأثيرات دول الجوار على قرارها السيادي، مقابل استمرار الدعم للنظام السياسي القائم، فيما ربطها سياسيون بـ”مؤامرات داخلية” تستهدف إضعاف المكون “الأقوى”، وخلخلة الاستقرار الأمني في البلاد.وأقر عضو لجنة الأمن والدفاع النيابية مختار الموسوي، في حينها، بوجود ضغوط أمريكية لحل الحشد، داعياً الحكومة إلى عدم الاستجابة لها، مهما كلفها من ثمن، لافتاً إلى أن “الحشد الشعبي يشكل صمام أمام البلاد، ومن ثم الأجهزة الأمنية والعسكرية.وأكد ممثل الأمين العام للأمم المتحدة محمد الحسان، في 12 من كانون الأول ديسمبر 2024، في مؤتمر صحفي من النجف عقب لقائه نجل المرجع الديني الأعلى في النجف علي السيستاني، أنه ناقش “خطوات النأي بالعراق عن أية تجاذبات سلبية لا تخدم أمنه واستقراره”، وألا يتحول البلد إلى ساحة لتصفية الحسابات، داعيا القوى السياسية العراقية لوضع مصلحة البلد في الصدارة، والتأكيد على أن “أمن العراق والعراقيين غير قابل للمساومة”.
وكان المرجع السيستاني، قد أكد في بيان صدر عن مكتبه عقب اللقاء بالحسان في 4 تشرين الثاني نوفمبر 2024، على منع التدخلات الخارجية بمختلف وجوهها، وتحكيم سلطة القانون، وحصر السلاح بيد الدولة، ومكافحة الفساد.يذكر أن وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن، أجرى جولة في المنطقة العربية، وقد هبط في العراق بشكل مفاجئ، في 13 كانون الأول ديسمبر 2024، والتقى السوداني، وشدد خلال اللقاء، وفقا لما نقلت وكالة “رويترز” على “التزام الولايات المتحدة بالشراكة الاستراتيجية الأمريكية العراقية وبأمن العراق واستقراره وسيادته”.ونقلت وسائل إعلام عن “مصادر سياسية”، نقل بلينكن رسائل “تهديد” مباشرة إلى السوداني، بشأن الفصائل المسلحة المدعومة من إيران في العراق، ومستقبل تلك الفصائل وتحركاتها”.
يذكر أن ، ناقشت في تقرير موسع انهيار ما يسمى بـ”محور المقاومة”، عقب سقوط نظام بشار الأسد، في سوريا، وقطع الطريق على تسليح حزب الله اللبناني، وإسقاط نظرية “الهلال الشيعي” على نحو سريع ومفاجئ، وبحسب باحثين ومراقبين، فإن عملية طوفان الأقصى كانت بداية النهاية لهذا المحور الذي حمل إيران كلفة اقتصادية وبشرية هائلة، فيما شككوا بقدرة إيران “التوسعية” مستقبلا بعد موت “وحدة الساحات” ونشاط الداخل الإيراني “المعارض”.ويرجع تشكيل هيئة الحشد الشعبي في العراق إلى عام 2014 عندما أصدر المرجع الشيعي الأعلى، السيد علي السيستاني، في النجف فتوى بتشكيل حشود شعبية لمواجهة خطر تنظيم داعش، الذي توغل داخل مدن عراقية وسيطر على ثلث أراضي العراق، ووصل إلى مشارف العاصمة بغداد.
فهبت الحشود، وتطوع ما يقارب المليون شخص السلاح وتوجهوا إلى جبهات القتال مع الجيش العراقي، وبعد مرور عامين، أصدر مجلس النواب العراقي عام 2016، بعد طلب رفعه نواب من الكتل الشيعية، قانونا خاصا بالحشد الشعبي في العراق، باعتباره أحد تشكيلات القوات المسلحة العراقية.