مع وصول عدد الموظفين في القطاع العام إلى ما يقارب 5 ملايين موظف، أي ما يعادل 20٪ من إجمالي القوى العاملة في العراق، يعتزم البرلمان، اليوم الأحد، قراءة واحدة من أبرز القضايا التي أثارت جدلاً واسعا في البلاد، وهي مسألة إعادة السن التقاعدي الى 63 عاما بدلا من 60 عاما.يأتي ذلك في ظل تصاعد الأصوات المعارضة لقرار التخفيض، الذي ترى فيه تهديدا لاستقرار المؤسسات الحكومية وفقدانا للخبرات التي اكتسبها الموظفون على مدى سنوات طويلة من الخدمة خاصة في القطاعات الحيوية كالصحة والتعليم، فيما تؤكد المالية النيابية أن قرار التعديل يعد من الصلاحيات الحصرية للجهاز التنفيذي، ولا يمكن للبرلمان المضي به من دون موافقة الحكومة.ومن المقرر أن يعقد البرلمان، اليوم الأحد، اولى جلسات الفصل التشريعي الأول من السنة التشريعية الرابعة والأخيرة من عمر البرلمان الحالي، حيث يضم جدول أعمال جلسة اليوم، 6 قوانين تقسم الى التصويت على قانونين، وقراءة أولى لقانونين، وقراءة ثانية لقانونين آخرين.
وقال عضو اللجنة المالية النيابية جمال كوجر، في تصريح تابعته “العالم الجديد”، إن “اللجنة المالية قدمت مقترحاً لإعادة النظر بعمر التقاعد ورفعه إلى 63 عاماً، لكن أي قانون يتضمن جنبة مالية يعد من الصلاحيات الحصرية للجهاز التنفيذي، ولا يمكن للبرلمان المضي به من دون موافقة الحكومة”.وأشار كوجر إلى أن “الحكومة لم تمنح موافقتها لغاية الآن على تعديل قانون التقاعد”، مبيناً أن “المعاملات المتعلقة بالتقاعد ستبقى تُروج على وفق العمر الحالي المحدد بـ60 عامًا، إلى حين تعديل القانون بشكل رسمي”.
وبين أن “اللجنة المالية تعمل على مناقشة هذا المقترح مع الجهات المعنية للوصول إلى صيغة توافقية تضمن تحقيق مصلحة المتقاعدين وتنسجم مع الظروف الاقتصادية للبلد”.كما شدد كوجر على “ضرورة الإسراع في حسم ملف تعديل هذا القانون لتوفير رؤية واضحة للموظفين والمتقاعدين على حد سواء”.
يشار إلى أن إنتاجية الموظف في العراق لا تتجاوز الـ17 دقيقة يوميا، في ظل حاجة العراق إلى قانون لتنظيم العطل الرسمية التي تتسبب بهدر الوقت وتحول دون الإنتاج والتطور.من جهة أخرى، أكد النائب مضر الكروي، اليوم الأحد، أن حوالي 90% من أعضاء البرلمان يدعمون خيار العودة إلى سن التقاعد البالغ 63 عامًا، وذلك في إطار تعديل قانون التقاعد.وقال الكروي في حديث تابعته “العالم الجديد”، إن “القراءة الأولى لمشروع تعديل قانون التقاعد ستُطرح في جلسة البرلمان يوم الأحد المقبل”، مؤكداً أن “هناك توافقاً كبيراً بين أعضاء البرلمان حول العديد من النقاط، مما يسهل تمرير التعديلات”.
وأضاف أن القانون الحالي يعاني من العديد من السلبيات في آليات تطبيقه، ما دفع النواب إلى البحث عن تعديل فعال”.وأشار إلى أن “أبرز النقاط التي تحظى بتوافق 90% داخل أروقة البرلمان هي عودة سن التقاعد إلى 63 عامًا، لافتًا إلى أن ذلك يُعدّ خطوة ضرورية للحفاظ على الخبرات في مختلف المجالات، خاصة في القطاعات الأكاديمية والإدارية ضمن الوزارات والمؤسسات الحكومية”.وأضاف أن “تعديل قانون التقاعد يحظى باهتمام كبير، ومن المتوقع أن يمرر التعديل في الفترة القادمة، خصوصاً مع وجود دعم قوي لهذا التوجه”.
وتعاني وزارات الدولة العراقية من ترهل وظيفي يعرقل عمليات الإنتاج في الغالب، ويسبب إرهاقا لخزينتها، من دون تحقيق مردودات مالية تكفي على أقل تقدير لتأمين رواتب العاملين فيها، في بلد ما زال لغاية الآن يعتمد على العائدات النفطية بنسبة لا تقل عن 90 بالمئة لرفد موازناته السنوية بالأموال، في حين لا تحقق مؤسساته الحكومية الصناعية والتجارية والمالية عائدات مالية بإمكانها منافسة النفط.وكان عضو اللجنة المالية بالبرلمان مصطفى الكرعاوي أكد في 5 كانون الأول ديسمبر 2024، أن القوى العاملة العراقية تعاني من شح في الخبرات، خاصة بعد توقف التعيينات الحكومية خلال السنوات الأخيرة، مشيرا إلى أن العديد من الموظفين الذين وصلوا لسن التقاعد هم من الكفاءات التي اكتسبت خبرة واسعة خلال فترة عملها الطويلة، وبالتالي فإن التقاعد المبكر لهذه الفئة سيزيد من الفجوة بين الخبرات المتراكمة والشباب الذين يفتقرون إلى الخبرة العملية.
واستبعد الخبير المالي والمصرفي مصطفى حنتوش في تقرير سابق ”، إمكانية تطبيق قرار زيادة سن التقاعد من 60 إلى 63 عاما، قائلا: “إن قرار خفض سن التقاعد إلى 60 عاما في السابق كان يهدف لتوفير فرص عمل جديدة للشباب بحيث تم توفير ما يقارب 200 ألف وظيفة، ولكن التجربة أثبتت عدم كفاءة هذا الإجراء في حل مشكلة البطالة بشكل جذري، مشيرا إلى أن العراق ما زال يعاني من عجز كبير في توفير فرص عمل، خاصة في القطاعات الحيوية مثل الصناعة والزراعة والسياحة.
ورأى أن “زيادة سن التقاعد قد تؤدي إلى تفاقم مشكلة البطالة، خاصة وأن هناك التزاما أخلاقيا وقانونيا من الدولة بتوفير فرص عمل للشباب”.وفي 19 من تشرين الثاني نوفمبر 2019، وعلى التعديل الأول لقانون التقاعد الموحد رقم 9 لعام 2014، جاء في تعديل القانون: إحالة الموظف على التقاعد في إحدى الحالتين، أولاً عند إكماله 60 سنة من العمر، وهي السن القانونية للإحالة على التقاعد بغض النظر عن مدة خدمته، وثانياً إذا قررت اللجنة الطبية الرسمية عدم صلاحيته للخدمة.
وأثار التعديل موجة من الانتقادات كون القانون سيؤدي إلى حرمان المؤسسات الحكومية من الخبرات التي لا يمكن تعويضها، كما أنه أثقل كاهل صندوق التقاعد، وحرمه من أموال كبيرة تتعلق بالاستقطاعات التقاعدية، حيث جاء تعديل قانون التقاعد وخفض عمر التقاعد بعد حراك أكتوبر (تشرين الأول)، وكان الهدف من القرار هو توفير فرص عمل للشباب وإلحاقهم بالوظائف الحكومية.ويعود إقبال المواطنين على الوظائف الحكومية، بحسب معنيين، لأسباب عديدة، منها تفشي البطالة وعدم وجود دعم حكومي للقطاع الخاص أو قانون ينظم عمله، إضافة إلى الراتب التقاعدي الذي تضمنه الحكومة للموظفين، والرواتب المجزية التي كان يتقاضاها الموظفون.يشار إلى أن 9.5 ملايين عراقي يعتمدون في معيشتهم على الدولة بصورة مباشرة (موظفون ومتقاعدون وذوو الرعاية الاجتماعية)، وهو ما قد يشكل نسبة 23% من سكان العراق.
وتتجسد في بعض مؤسسات الدولة مشاهد درامية متكررة بسبب أعداد الموظفين الكثيرة، حيث أن بعض الموظفين لا يجدون مكانا يجلسون فيه، وآخرون يتناوبون على الجلوس، يضطر بعضهم إلى شراء المقاعد وجلبها للمؤسسة بعد تدوين أسمائهم عليها كي لا يشغلها سواهم.
ووفقا قانون الموازنات العامة الاتحادية للسنوات 2023، و2024، و2025، يبلغ عدد الموظفين في العراق أربعة ملايين و74 ألفا و697 موظفاً وموظفة، وحدد القانون نفسه عدد موظفي إقليم كردستان بـ658 ألفا و189 موظفاً وموظفة.