آلاف من العالقين عادوا وعدد غير محدود لا يزال هناك
رغم تأكيد وزارة الهجرة والمهجرين العراقية نجاحها في معالجة ملف الهجرة غير الشرعية من البلد إلى الخارج، وتقليل عدد المهاجرين بهذا السبيل، كشف عضو لجنة الهجرة والمهجرين في البرلمان العراقي، شريف الباستكي، استمرار المعاناة ومواصلة الشباب العراقيين تسلّلهم بطرق غير شرعية إلى دول مختلفة حول العالم، عازياً الأمر إلى عوامل اقتصادية وأمنية بالدرجة الاولى.
يدفع اللاستقرار الأمني والاقتصادي في العراق طوال سنوات مئات آلاف المواطنين، غالبيتهم من الشباب، إلى ترك أماكنهم والتوجّه إلى الخارج بطرق مختلفة بعضها شرعية وأكثرها غير شرعية، أو النزوح لأنحاء أخرى داخل البلاد على أقل تقدير. آخره ما جرى عام 2014 وما بعده، عقب دخول تنظيم داعش للعراق وسيطرته على مساحة واسعة من البلاد (نينوى والأنبار) ومن ثم تحرير البلاد من سطوة التنظيم عام 2017، وحراك تشرين عام 2019. وفي عام 2021، بقي عشرات آلاف المهاجرين عالقين على الحدود الأوروبية، آلاف منهم عراقيون، بعد توجّههم إلى القارة العجوز عبر سفرات سياحية إلى بيلاروسيا، أو سيرهم سرّاً من تركيا إلى ليتوانيا وبولندا، ولاتيفيا، أملاً منهم بدخول الاتحاد الأوروبي وعيش حياة هادئة آمنة يسيرة.
لكن رفضت الدول الأوروبية الشرقية تمريرهم، وهم يمكثنون في مخيمات جماعية على الحدود المشتركة بين البلدان الأربعة حتى الآن، ومنذ ذلك الوقت تشرف الحكومة العراقية بالتنسيق مع الدول الأوروبية عبر قنواتها الدبلوماسية على إعادة هؤلاء اللاجئين إلى بلادهم بواسطة رحلات منظّمة. وذكرت وزارة الخارجية العراقية، حينها، أنها أعادت 4000 لاجئ عراقي من الحدود الأوروبية، و"لا يمكن إحصاء أعداد العراقيين العالقين كاملة لأن الشريط الحدودي يمتد إلى مسافة 680 كلم، وهناك إعراض عن العودة لدى البعض".
بحسب تقارير، فإن "صعوبة المعيشة، وعدم توفّر فرص للعمل داخل البلاد، فضلاً عن تردي الوضع الأمني"، أسباب دفعت العراقيين إلى الهجرة والهرب. في هذا الإطار، وفي سياق متابعة العمل الحكومي بشأن ملف الهجرة واللجوء، صرحت وزارة الهجرة والمهجّرين العراقية، الخميس 16 كانون الثاني 2025، بنجاح برامجها لمعالجة الهجرة غير الشرعيّة بين شريحة الشباب، من خلال تقليل أعدادهم. وقال الوكيل الإداري للوزارة، كريم النوري، في تصريح للجريدة الرسمية، إن "العراق يُعدّ من أكثر الدول التي تحارب الهجرة غير الشرعيّة"، مؤكداً أن "برامج الوزارة التنموية المعتمدة بهذا الشأن، أثبتت نجاحها من خلال تقليل أعداد الشباب المهاجرين بصفة غير شرعية".
وبشأن الجهود المبذولة لإعادة العراقيين العالقين في أوروبا، لفت النوري إلى أن "العراق نجح في إعادة 4500 مواطن كانوا عالقين على الحدود بين بولندا وليتوانيا وبيلاروسيا، بعد توفير الوثائق اللازمة لهم"، مشيراً إلى "الجهود التي بذلتها الوزارة منذ النزوح الكبير في 2014، بتوجيه من رئاسة الوزراء، لتوفير الخيام والإغاثة والمساعدات للنازحين"، ومؤكداً "نجاح العراق في مواجهة هذا التحدي الإنساني".
ما مصيرهم؟
في وقت سابق دعت لجنة الهجرة والمهجرين البرلمانية، الحكومة العراقية، إلى دعم شريحة الشباب مادّياً، ورسم برامج خاصة لهم، بهدف تشجيعهم على البقاء في البلاد. وقالت وزارة الهجرة والمهجرين، في المقابل، إن الوزارة اتخذت عدّة خطوات للحدّ من ظاهرة الهجرة غير الشرعية. كريم النوري المتحدث باسم الوزارة، كشف في حديث للوكالة الإخبارية الرسمية عن الخطوات في تشرين الثاني الماضي، منها "وضع مسودة قانون للحد من الهجرة غير الشرعية، سيحدّد الجهات المعنية وخطوات وآليات ومهام كل جهة، والعقوبات التي ستتخذها الدولة في حالة قيام بعض الأشخاص بتهريب المهاجرين.
وتشكيل لجنة عليا وطنية للحد من الظاهرة، برئاسة وزير الهجرة والمهجرين وما يقارب 68 عضواً من مستشارين ومدراء عامين ومسؤولين عن هذا الموضوع، اتخذت خطوات بهذا المسار عبر برامج توعية وتأهيل بمنشورات في مواقع وزارية وعامة. كذلك تنظيم حملة رسمية تضم ورش وكتب توعوية بين الجامعات العامة والخاصة. فضلاً عن تكليف وزارة الخارجية، وجهاز المخابرات، ووزارة الداخلية بتزويد الوزارة بتقارير ودراسات ومعلومات واحصائيات للعراقيين الذي تعرضوا للهجرة غير الشرعية، وتشكيل فرق فرعية بكل جهة تعمل على محاور القضاء على البطالة ومكافحة المهربين".
لكن عضو لجنة الهجرة والمهجرين النيابية، شريف الباستكي، أكد في حديث لمنصة الجبال، أن "العراق لم ينجح بالشكل المطلق في مكافحة ظاهرة الهجرة غير الشرعية، فحتى هذه الساعة هناك مساع من الكثير من العراقيين، خاصة شريحة الشباب للهجرة من البلاد"، مبيّناً أن "هذا الأمر له عوامل عدة، أبرزها: البطالة وعدم توفير فرص العمل، كذلك عدم وجود الاستقرار الأمني الحقيقي، والمستقبل المجهول للعراق". وعن عدد اللاجئين الذين تمت إعادتهم خلال السنوات الثلاث الماضية، وعدد الأشخاص الذين لا يزالون عالقين هناك، أوضح الباستكي في حديثه أنه "لا توجد لدينا أي إحصائية رسمية بعدد الأشخاص المهاجرين بصفة غير شرعية خلال السنة الماضية أو السنوات التي سبقتها، فهذا الأمر مجهول لدى الجهات المختصة، بسبب عدم وجود ببيانات ومعلومات عن هؤلاء الأشخاص بشكل دقيق"، مبيناً أن "في غالب الحالات يتم كشف المغادرين بطرق غير شرعية، بعد إحباط عملية الهجرة والتهريب من قبل بعض الدول الأوروبية".
أما فيما يتعلّق بمصير هؤلاء الأشخاص بعد إعادتهم إلى بلادهم، وصور الدعم الذي يتلقونه عقب وصولهم للعراق، ذكر العضو في لجنة الهجرة البرلمانية أن "الذين تتم إعادتهم بعد الهجرة غير الشرعية لا تصرف لهم أي منح مالية، على عكس النازحيين الداخليين الذين يعودون لأراضيهم بشكل طوعي. وهناك عراقيين لا يزالوا عالقين ببعض الدول، وملف عودتهم متابع بشكل دقيق من قبل وزارتي الهجرة وكذلك وزارة الخارجية العراقية".
بالنسبة للحكومة، فإن إعادة اللاجئين من مخيمات الحدود خطوة مهمّة ضمن مساعيها لمجابهة الظاهرة على صعيد عالمي، وإنهاء مشكلة نالت من حيوات آلاف البشر. أما بالنسبة للّاجئين الذين رحلوا على أمل حياة أفضل، فستنهي العودة سنوات من انتظار الرأفة وسط معاناة البرد والجوع والقسوة، وتعطي فرصة لبدء الحياة من زاوية مختلفة.