قيل قديمًا في الأمثال الشعبية "اللي يحضر العفريت يصرفه.. واللي ما يعرفش يصرفه يتحمل أذاه"، هذا المثل بعث رسالة واضحة، بحكمة العامية المصرية، مفادها أن مسؤولية الفعل تقع على عاتق الفاعل، فلا تقحم نفسك في وسط النيران، ثم تخشى ألسنة اللهب.
هذه المقولة لم تقتصر على الروايات الأدبية، أو سيناريوهات الأفلام السينمائية، بل انتقلت في السنوات الأخيرة إلى عالم الساحرة المستديرة من بوابة نادي ريال مدريد الإسباني.
بالطبع يبقى الريال النادي الأكثر تتويجا في العالم، لكن الفريق الملكي كتب لنفسه سيناريوهات خيالية في مشوار تربعه على عرش مسابقة دوري أبطال أوروبا تحديدًا.
اكتفى الميرينجي بـ9 ألقاب من الكأس ذات الأذنين حتى عام 2002، وحقق العاشرة بعد غياب طويل دام 12 عامًا، قبل أن يحقق ثلاثية متتالية تحت قيادة زين الدين زيدان في 2016 و2017 و2018.
وفي العام الماضي 2022، كرر كارلو أنشيلوتي إنجازه مع ريال مدريد في 2014 بتحقيق الكأس الرابعة عشرة في تاريخ النادي.
وكان القاسم المشترك في هذه التتويجات الخمسة الأخيرة، ظاهرة "شخصية العفريت" التي تناقلتها أجيال مختلفة للفريق المدريدي، وبمجرد أن تحضر في المسابقة، لا يستطيع أي منافس أن يصرفها.
فريال مدريد بدا في كثير من المباريات الكبيرة بمثابة عملاق نائم أو عفريت محبوس داخل جدران محكمة، لكن مع استفزاز المنافس له، يكسر العفريت كل القيود، ليعاقب من استفزه بسيناريوهات لا تصدق، حيث تجد منافس الريال ينهار فجأة، أو يرتكب أخطاء ساذجة، أو يقرر بكل طواعية أن يسلم الفريق المدريدي مقاليد الأمور.
كانت ليلة 21 فبراير/ شباط 2023 خير دليل، انتفض ليفربول وسط جماهيره وتقدم بهدفين على ريال مدريد في أول ربع ساعة، ليبدأ الجميع التكهن بخسارة ثقيلة للضيف الإسباني.
وفجأة، عاد الريال من مسافة بعيدة للغاية، قلص الفارق، وتعادل بخطأ عجيب للحارس البرازيلي أليسون، قبل أن يضيف ثلاثية في الشوط الثاني، أنهت اللقاء بنتيجة لم يتوقعها من تابعه منذ اللحظة الأولى.
لبس عفريت ريال مدريد أكثر من حارس مرمى، في طريقه إلى التتويجات الأخيرة في دوري الأبطال، فلا يمكن لأحد أن ينسى أخطاء الألماني لوريس كاريوس، حارس مرمى ليفربول الذي أهدى هدفين للملكي في نهائي عام 2018.
وفي العام الماضي، كان ريال مدريد غارقا على المستوى الفني والبدني أمام باريس سان جيرمان الذي فاز بهدف ذهابا في فرنسا، وتقدم إيابا بهدف في سانتياجو برنابيو، قبل أن يقع الحارس الإيطالي دوناروما في الفخ، ليهدي العملاق المدريدي هدف التعادل الذي انهار معه باريس ليجد نفسه خاسرا بثلاثية في دقائق قليلة.
وجاء الدور على السنغالي، إدوارد ميندي، حارس مرمى تشيلسي الفائز بجائزة الأفضل في العالم لعام 2021، لكنه تورط في خطأ ساذج في معقل فريقه، ساهم في فوز ريال مدريد (1/3) في لندن.
كان تشيلسي على شفا تحقيق المعجزة إيابا بتقدمه بثلاثية دون رد في مدريد حتى قلص الميرنجي الفارق بهدف في آخر ربع ساعة، وامتد اللقاء لوقت إضافي خرج به الفريق اللندني بفوز (2/3) لم يكن كافيا للتأهل.
هذا السيناريو تكرر نسبيا في تقدم يوفنتوس على ريال مدريد بثلاثية في برنابيو عام 2018، ليكون على وشك تعويض خسارته ذهابا بنفس النتيجة، إلا أن الريال خطف بطاقة التأهل بهدف من ركلة جزاء في الدقيقة الأخيرة، بعدما خرج مهزوما بنتيجة (3/1).
وفي نهائي 2014، استفز أتلتيكو مدريد جاره الملكي بالتقدم بهدف مبكر حافظ عليه حتى الثواني الأخيرة، حيث ارتدى سيرجيو راموس، ثوب العفريت هذه المرة بتسجيله هدف التعادل في وقت قاتل، ليمهد تتويج الملكي باللقب بالفوز (1/4) بعد التمديد للوقت الإضافي.
ما عانى منه ليفربول ليلة أمس وباريس سان جيرمان العام الماضي، واجهه مانشستر سيتي في مباراتيه ضد ريال مدريد بنصف نهائي العام الماضي.
تقدم السيتي ذهابا على أرضه ووسط جماهيره بهدفين في وقت مبكر، وتفنن لاعبوه في إهدار الفرص، بينما استغل ضيفه المدريدي فرصه بشكل كبير، ليخرج مهزوما بنتيجة (4/3) في لقاء كان بالإمكان أن ينتهي بخسارة ثقيلة للملكي.
في الإياب، تقدم السيتي، وكرر لاعبوه سيناريو الندم على الفرص الضائعة تباعا، ليقلب ريال مدريد النتيجة بهدفين للعفريت البرازيلي، رودريجو، ويمد اللقاء لوقت إضافي، سجل خلاله الريال هدفا ثالثا صعد به للنهائي، بسيناريو لا يحدث إلا في الأحلام.
ومنذ مباراة الأمس التاريخية على ملعب آنفيلد، يبقى ريال مدريد المرشح الأول للحفاظ على لقبه، فمن يستطيع أن يصرف العفريت بعد أن حضر بخماسية من عالم الخيال؟!