ابتكر فريق من العلماء الجينوم المرجعي الأعلى جودة حتى الآن لأنواع القهوة الأكثر شعبية في العالم، القهوة العربية، وكشفوا أسرارا حول نسبها الذي يمتد لآلاف السنين وللعديد من القارات.
ووفقا للنتائج، نشأت القهوة العربية بشكل طبيعي من تزاوج نوعين مختلفين من القهوة في الغابات الإثيوبية منذ نحو 600 ألف سنة.وأظهرت الدراسة أيضا أن دورات ارتفاع درجة حرارة الأرض وتبريدها تسببت في حدوث اختلافات في القهوة العربية على مدار آلاف السنين. ونمت في نهاية المطاف في اليمن وإثيوبيا قبل أن تنتشر في جميع أنحاء العالم.
ووجدت الدراسة أن أعداد نبات القهوة العربية تزايدت وتضاءلت (في ما يعرف بالمختنق الجيني) خلال فترات تسخين وتبريد الأرض على مدى آلاف السنين، قبل أن تتم زراعتها في نهاية المطاف في إثيوبيا واليمن، ثم تنتشر في جميع أنحاء العالم.
ويشير العلماء، بقيادة جامعة بوفالو (UB)، إلى أن البن العربي معرض لمختلف الآفات والأمراض، ويرجع ذلك جزئيا إلى حجم حبوب القهوة الصغيرة وتنوعها الوراثي الضعيف الناتج عن "زواج الأقارب" في الماضي. ولذلك، لا يمكن زراعة البن العربي إلا في مناطق معينة ذات تهديدات منخفضة للعوامل المسببة للأمراض وظروف مناخية أكثر ملاءمة.
والبن العربي الذي يشكل نحو 60% من إنتاج القهوة العالمي، يدين بوجوده إلى الاندماج الطبيعي بين قهوة كانيفورا وقهوة يوجينيويدس، والتي تحدث دون تدخل بشري.
وقد حير العلماء التوقيت والموقع الدقيقين لهذا الاتحاد الجيني، الذي يقدر عمره بين 10 آلاف إلى مليون سنة مضت.ولكشف هذا اللغز، استخدم فريق في جامعة بوفالو النمذجة الحسابية للذكاء الاصطناعي للكشف عن البصمات الجينية التي تميز بداية البن العربي.
ووفقا للنماذج، شهد البن العربي ثلاثة تغييرات جينية على مدى تاريخه، حيث كان أقدمها منذ نحو 29 ألف جيل، أو منذ 610 ألف سنة.ويشير الفريق إلى أن القهوة العربية تشكلت في وقت ما، منذ ما بين 600 ألف إلى مليون سنة مضت.
ويؤكد الفريق أن البشر لم يشاركوا في التهجين الذي أدى إلى إنتاج البن العربي.وقال فيكتور ألبرت، الأستاذ في جامعة كاليفورنيا والمؤلف المشارك للدراسة، في بيان: "من الواضح أن هذا الحدث المتعدد الصبغيات يسبق زراعة القهوة والإنسان الحديث".
ووجدت دراسة أصول القهوة أدلة جديدة تقول إن الأصناف البرية تنبع من الغرب، بينما تعود الأصناف المزروعة إلى الشرق، بالقرب من مضيق باب المندب.ويزعم العلماء أن هذا سيكون متسقا مع البيانات التي تشير إلى أن القهوة كانت تزرع في الغالب في اليمن في وقت ما في القرن الخامس عشر.
وفي نحو عام 1600، يقال إن الراهب الهندي بابا بودان قد حمل "البذور السبع" الوهمية إلى خارج اليمن، وأنشأ أصناف البن العربي الهندي ووضع الأساس للانتشار العالمي الحالي للقهوة.
واستخدم العلماء التاريخ الجغرافي المناخي الموثق جيدا لشرق إفريقيا، والذي تمت دراسته في المقام الأول بحثا عن الأصول البشرية، لتحليل التقلبات في أعداد القهوة العربية البرية والمزروعة.
وكشفت النمذجة عن فترة انخفاض في عدد النباتات منذ ما بين 20 إلى 100 ألف سنة، تزامنا مع الجفاف والمناخ البارد.
وارتفع عدد النباتات خلال الفترة الرطبة الإفريقية (قبل 6-15 ألف سنة).
بالإضافة إلى ذلك، تباينت أصناف القهوة العربية البرية والمزروعة منذ نحو 30 ألف سنة.
ويدعي الفريق أن القهوة العربية المزروعة، التي يبلغ عددها الفعلي ما بين 10 آلاف إلى 50 ألفا، تواجه ضعفا مشابها لموز كافنديش.
ويرجع ذلك إلى انخفاض التنوع الجيني والتعرض لمسببات الأمراض مثل صدأ أوراق القهوة، والذي يسبب خسائر سنوية بالمليارات.ويُظهر صنف تيمور، وهو هجين بري من البن العربي، مقاومة قوية للأمراض ويقدم رؤى عبر الجينوم المرجعي.
وبفضل الجينوم المرجعي الجديد، تمكن العلماء من تحديد منطقة فريدة، بما في ذلك أعضاء عائلة الجينات المقاومة RPP8 والمنظم العام لجينات المقاومة، CPR1.
وقد حاول المتخصصون تكرار هذا التهجين لزيادة الدفاع عن مسببات الأمراض.وكشف الجينوم أيضا عن رؤى إضافية، بما في ذلك تحديد الأصناف البرية الأكثر تشابها وراثيا مع البن العربي الحديث.