كشفت دراسة حديثة نشرها موقع PsyPost عن كيفية تمكن الذكاء الاصطناعي من الكشف عن الشعور بالوحدة بشكل فعال من خلال تحليل بيانات الكلام غير المنظمة.ويقدم هذا النهج المبتكر بديلاً واعدًا للطرق التقليدية لتحديد الشعور بالوحدة ومعالجته، وخاصة بين كبار السن.تؤثر الوحدة، وهي حالة عاطفية عميقة ومزعجة تنشأ عن الفجوة بين العلاقات الاجتماعية المرغوبة والفعلية، بشكل كبير على الصحة العقلية والجسدية.
ويعتبر كبار السن بالتحديد الأكثر تعرضًا لها؛ بسبب عوامل كفقدان الأحباء وانخفاض القدرة على الحركة ومشاكل الصحة. وغالبًا ما تعتمد الطرق التقليدية لتقييم الشعور بالوحدة على مقاييس التقرير الذاتي، مثل: مقياس الشعور بالوحدة بجامعة كاليفورنيا في لوس أنجلوس ومقياس ديونج جيرفالد، والتي يمكن أن تكون مرهقة وعرضة للتحيز.ولمعالجة هذه القيود، سعى الباحثون إلى تطوير نموذج ذكاء اصطناعي قادر على تحليل بيانات الكلام للكشف عن علامات الشعور بالوحدة، ما يوفر أداة تقييم أكثر قابلية للتطوير وأقل تدخلاً.
وقد ركزت الدراسة، التي قادتها إلين لي، الأستاذة المساعدة في جامعة كاليفورنيا في سان دييغو، على عينة من 97 من كبار السن الذين تتراوح أعمارهم بين 66 و101 عام، ويعيشون جميعًا بشكل مستقل في مجتمع سكني لكبار السن في جنوب كاليفورنيا.
قدم المشاركون بيانات اجتماعية ديموغرافية من خلال المقابلات السريرية، بما في ذلك العمر والجنس والخلفية العرقية ومستوى التعليم والحالة الاجتماعية. وكانت أداة التقييم الأساسية للوحدة هي مقياس الوحدة بجامعة كاليفورنيا في لوس أنجلوس، وهو استبيان تقرير ذاتي يقيس جوانب مختلفة من الأداء الاجتماعي.
خلال الدراسة، أجريت مقابلات نوعية مع كبار السن حول مواضيع، مثل: العلاقات الاجتماعية، والشعور بالوحدة، والشيخوخة الناجحة، والمعنى والغرض في الحياة، والحكمة، واستخدام التكنولوجيا. وقد تم تسجيل هذه المقابلات شبه المنظمة صوتيًا، ونسخها، وتحليلها باستخدام السمات اللغوية المستخرجة من النصوص.
بعد مرحلة المقابلات، قام الباحثون بتطوير نموذج الذكاء الاصطناعي القائم على الشبكات العصبية المحولة، واستخدموا تقنيات الذكاء الاصطناعي القابل للتفسير (XAI) لتحديد المؤشرات الرئيسة للوحدة في بيانات الكلام. وقد كشف التحليل أن العناصر الدلالية وغير الدلالية للكلام كانت علامات مهمة.
فقد أظهرت العناصر الدلالية، التي تتعلق بمعنى الكلمات، أن الأفراد الذين يشعرن بالوحدة ذكروا بشكل متكرر المكانة الاجتماعية والدين، وعبروا عن المزيد من المشاعر السلبية. وعلى العكس من ذلك، ناقش الأفراد الذين لا يشعرن بالوحدة معاني الأسرة وأسلوب الحياة، ما يشير إلى تركيز أقوى على الروابط الاجتماعية والأنشطة التي تعزز الشعور بالإنجاز.
كما تنوع استخدام الضمائر الشخصية بشكل ملحوظ، إذ غالبًا ما استخدم الأفراد الذين يشعرن بالوحدة ضمائر المتكلم المفرد مثل ”أنا"و "لي"، ما يعكس منظورًا أكثر أنانية. وعلى النقيض من ذلك، استخدم الأفراد الذين لا يشعرون بالوحدة ضمائر الجمع مثل "نحن" و"لنا"، ما يدل على شعور أكبر بالشمول والاتصال بالآخرين.أما العناصر غير الدلالية، مثل الحشو في المحادثة ("أوه"، "أم")، وعدم الطلاقة (التكرار، والبدايات الخاطئة)، والعامية المستخدمة في حوارات الإنترنت ("لول")، فكانت أكثر شيوعًا في كلام الأفراد الذين يشعرون بالوحدة.
بالإضافة إلى ذلك، غالبًا ما استخدم الأفراد الذين يشعرون بالوحدة أدوات الربط السببية ("لأن"، "لذلك") بشكل متكرر، ما يشير إلى ميل إلى تقديم تفسيرات مفصلة وعقلانية لتجاربهم.تشير النتائج إلى أن "الطريقة التي نتواصل بها قد تعكس مشاعرنا تجاه العلاقات الاجتماعية".
وأكدت الباحثة الرئيسة أن مناهج الذكاء الاصطناعي الأحدث يمكن أن توضح كيف ترتبط اللغة بالأداء الاجتماعي، رغم أن الدراسة بها قيود. فقد كانت العينة صغيرة نسبيًّا، وتتكون في المقام الأول من كبار السن البيض المتعلمين جيدًا من سان دييغو.
تهدف الأبحاث المستقبلية إلى تضمين المزيد من السكان المتنوعين، وأولئك الذين يعانون أمراضًا عقلية خطيرة لفهم وتقييم الوحدة بشكل أفضل.وتحمل نتائج الدراسة إمكانات كبيرة لتحسين الكشف عن الشعور بالوحدة وفهمه، وتوفر سبل جديدة للتدخل والدعم، وخاصة لكبار السن الذين يواجهون هذه المشكلة المنتشرة.