04 Feb
04Feb

تيم كوك قد يكون الرئيس التنفيذي الحالي لشركة أبل، وقد يكون مسؤولاً عن تحويلها إلى أول شركة تصل قيمتها السوقية إلى 3 تريليونات دولار، ولكن الشخص الذي بدأ كل شيء هو ستيف جوبز، الذي يُعتبر أحد أعظم قادة شركات التكنولوجيا في التاريخ.
ستيف جوبز لم يكن مجرد رائد أعمال أو مخترع، بل كان رؤيوياً ومبدعاً ومصمماً ومنتجاً ومتحدثاً ومؤثراً. كان لديه رؤية واضحة عن ما يريد أن يقدمه للعالم، وكان لديه الشجاعة والعزيمة لتحقيقها. كان وراء إنشاء منتجات ثورية مثل أبل 1 وأبل 2 وماكنتوش وآي بود وآيفون وآي باد وماك أو إس إكس وآي تيونز وآب ستور، والتي غيرت حياة الملايين من الناس في مجالات مثل الحوسبة والاتصالات والتعليم والترفيه والفن والثقافة.
ولكن ماذا كانت القصة وراء نجاحه الهائل؟ كيف تأسست شركة أبل في جراج؟ كيف طُرِد جوبز من شركته الخاصة؟ كيف عاد إليها وأنقذها من الانهيار؟ كيف أثرت شخصيته وأسلوبه على إدارة الشركة وثقافتها؟ كيف واجه مرضه وموته؟ وكيف ترك إرثاً لا يُنسى في عالم التكنولوجيا؟
رجل الرؤية المثالية

في عام 1976، قرر ستيف جوبز ترك الدراسة الجامعية وتحقيق حلمه في صناعة الحواسيب. مع صديقه المقرب ستيف وزنياك، الذي كان عبقريًا في الهندسة الإلكترونية، أسس الصديقان شركة أبل. كان جوبز مصدر الإلهام والرؤية للشركة الناشئة، التي أراد أن تكون مختلفة عن أي شركة تكنولوجيا أخرى، وفقًا للسيرة الذاتية التي كتبها والتر إيزاكسون بعنوان «ستيف جوبز»..
لتوسيع نطاق أعمال أبل، احتاج جوبز إلى شخص لديه خبرة في الإدارة والتسويق. وجد ذلك الشخص في جون سكالي، الذي كان يعمل في شركة بيبسي، واستطاع جوبز إقناعه بالانضمام إلى أبل كرئيس تنفيذي مشارك، وفقًا لموقع بيزنس إنسايدر..
ولكن مع نمو الشركة، بدأت الخلافات بين جوبز وسكالي تظهر. كان جوبز شخصية قوية ومتحمسة، ولكنه كان أيضًا شخصية تميل إلى المثالية. كان يسعى إلى تحقيق الكمال في كل تفصيل، ولم يتسامح مع أي خطأ أو تنازل. كان سكالي أكثر واقعية ومرونة، وكان يحاول مواكبة التغيرات والتحديات في السوق العالمية.
وصل الصراع إلى ذروته في عام 1985، عندما فشلت منتجات أبل الجديدة – ليزا وماكنتوش – في تحقيق النجاح المتوقع. اتهم جوبز سكالي بإفشال الشركة، وطالب بإقالته. ولكن سكالي لم يستسلم، وقدم حججه إلى مجلس الإدارة، الذي قرر دعم سكالي وإبعاد جوبز. شعر جوبز بالخيانة والإحباط، وقرر الاستقالة من أبل.
ينقذ أبل بدعم من مايكروسوفت

في عام 1997، كانت الشركة، على حافة الانهيار. وقتها قرر ستيف جوبز التدخل فقاد انقلابًا في مجلس الإدارة عام 1997 أدى إلى استقالة أميليو. لقد قرر جوبز أنه إذا تم إنقاذ شركة أبل، فسيكون هو من يقوم بذلك، حتى لو كان ذلك يعني الحصول على المساعدة من منافسي الشركة في مايكروسوفت.
كانت الشركة قد خسرت سوقها وثقتها بعد سنوات من الإدارة السيئة والمنتجات الفاشلة. وكان جوبز قد غادر أبل في عام 1985 بعد صراعه مع مجلس الإدارة، وأسس شركتين جديدتين: نكست وبيكسار. ولكن في عام 1996، قررت أبل شراء نكست، وبذلك عاد جوبز إلى الشركة التي أنشأها. ولكن هذه المرة، لم يكن راضيًا عن دوره كمستشار، بل أراد أن يكون الشخص الأوحد والقائد للشركة.
وبالفعل بعد أشهر قليلة، أعلن ستيف جوبز، أن شركة أبل حصلت على استثمار بقيمة 150 مليون دولار من منافستها القوية مايكروسوفت (Microsoft)، وعلى الرغم من استهجان المستثمرين والموظفين في الشركة إلا أنه أصر على موقفه، وقال وقتها: «نحن بحاجة إلى كل مساعدة يمكننا الحصول عليها».
في ذلك الوقت كان الوضع المالي لشركة أبل سيئًا للغاية، لدرجة أن الرئيس التنفيذي لشركة ديل (Dell) ومؤسسها مايكل ديل، قال إنه لو كان في مكان جوبز، لأغلقها وأعاد الأموال إلى المساهمين.
عودة أبل إلى الصدارة

لم ينهزم ستيف جوبز أمام الصعوبات والسلبية التي تحيط بشركة أبل، التي كانت تعاني من الخسائر والتراجع. بل استخدم الاستثمارات التي حصل عليها من مايكروسوفت، الخصم الذي ينافسه في سوق الحواسيب، في خلق منتجات جديدة وإعلانات مبتكرة، وفي زمن قياسي، استطاع أن يعيد أبل إلى مسار الربحية والنجاح.
وفي يناير 1998، في معرض «Macworld» في سان فرانسيسكو، كشف جوبز عن أولى إعلاناته التي ستنشر في كل أنحاء العالم، والتي تم إنجازها بفضل مساعدة مايكروسوفت، والتي جعلت أبل تحقق أرباحاً لأول مرة منذ سنوات.
وبعد ذلك بأشهر في مارس، اختار جوبز تيم كوك ليكون رئيساً لعمليات أبل في جميع أنحاء العالم، والذي خلفه لاحقاً كرئيس تنفيذي للشركة.
كيف طبق جوبز رؤيته المميزة في الإدارة؟

بعد أن استقرت أوضاع أبل، بدأ ستيف جوبز في تنفيذ رؤيته الفريدة في الإدارة، والتي تركز على الموظفين، وقام بإجراء تغييرات كبيرة في فريقه ومسؤولياته، وحسّن من جودة الطعام في كافتيريا أبل، ومنع الموظفين من إحضار حيواناتهم الأليفة إلى المقر. أراد أن يجعل الجميع ملتزمين بوظائفهم في أبل.
وفي أغسطس 1998، بعد حوالي عام من حصوله على أموال مايكروسوفت، أطلقت أبل جهاز آي ماك، وهو جهاز كمبيوتر متكامل عالي الأداء صممه جوبز بالتعاون مع المصمم العبقري جوناثان إيف.
وكان جهاز آي ماك متوفراً بألوان مختلفة، وكانت هذه هي المرة الأولى التي يشهد فيها العالم على إبداع إيف في تصميم الكمبيوتر، وحقق نجاحاً باهراً، حيث بيع منه 800000 وحدة في الأشهر الخمسة الأولى.
وكان اسم ماك مان هو الاسم الأصلي الذي اقترحه جوبز للجهاز، لكن كين سيجال، المدير التنفيذي لوكالة إعلانات أبل آنذاك، اقترح اسم آي ماك، حيث يدل الحرف «i» على الإنترنت، لأن الاتصال بالشبكة كان سهلاً جداً، ولكن أبل قالت أيضاً إنها تمثل التفرد والابتكار.
واستمر هذا الاسم الذي يبدأ بالحرف «i»، هو الرمز لمنتجات الشركة، ففي عام 1999، أطلقت الشركة جهاز آي بوك، وهو جهاز كمبيوتر محمول غير تقليدي حاول تقليد نجاح آي ماك كجهاز كمبيوتر للمبتدئين.
وفي عام 2001، أصدرت أبل نظام التشغيل «Mac OS X»، وهو نظام يستند إلى تصميم كان يعمل عليه جوبز في شركته الناشئة «NeXT» للكمبيوتر، مميز ومتفوق عن أي نظام تشغيل آخر.


ستيف جوبز يفتتح متاجر أبل في الولايات المتحدة

كان يعلم ستيف جوبز أن شركة أبل التي أسسها وأنقذها من الإفلاس تحتاج إلى التوسع أكثر لتصل إلى عملاء أكبر وأوسع. في عام 2001، قرر جوبز افتتاح أول متاجر أبل في فيرجينيا وكاليفورنيا، وهي متاجر مخصصة لعرض وبيع منتجات أبل الحصرية، وتقديم خدمات الدعم والتدريب للعملاء. وكانت هذه المتاجر مصممة بشكل عصري وجذاب، وتحتوي على مناطق لتجربة الأجهزة والبرامج، ومناطق للتعلم والترفيه، ومناطق للخبراء والمستشارين. وكانت هذه المتاجر ناجحة جداً، حيث جذبت الكثير من الزوار والمشترين، وساهمت في زيادة شهرة ومبيعات أبل.
كيف أطلق جوبز آي بود وآي تيونز؟

لكن جوبز لم يكتفِ بمتاجر أبل، بل كان يسعى دائماً لابتكار منتجات جديدة تميز شركته عن باقي المنافسين. وفي عام 2001، أطلق جوبز منتجه الجديد، جهاز آي بود، وهو مشغل موسيقى رقمي صغير الحجم وسهل الاستخدام، ووعد بـ «1000 أغنية في جيبك». وكان جهاز آي بود ثورياً في عالم الوسائط الرقمية، حيث أنه يمكن تخزين وتنظيم وتشغيل الأغاني بجودة عالية وبطريقة مريحة. لكن الجهاز كان مكلفاً وبطيئاً في نقل الأغاني من الحاسوب إلى الجهاز، فأراد جوبز حل هذه المشكلات من خلال افتتاح متجر آي تيونز، وهو متجر على الإنترنت يتيح للمستخدمين شراء وتحميل الأغاني بسعر رمزي يبلغ 0.99 دولاراً أمريكياً للأغنية الواحدة. وبذلك، حول جوبز جهاز آي بود إلى مركز للموسيقى الرقمية، وفي نفس الوقت تقريباً، جعل كل من آي تيونز وآي بود متوافقين مع نظام التشغيل ويندوز، مما أدى إلى انتشار موسيقى أبل بشكل كبير.
لكن في عام 2003، تلقى جوبز خبراً صادماً، حيث أخبره الأطباء بأنه يعاني من سرطان البنكرياس، وهو نوع نادر وخطير من السرطان. ومع ذلك، قرر جوبز أن يبقي الأمر سراً، ولم يعلن عن مرضه للعامة، واستمر في العمل في شركته بنفس الحماس والحيوية. ورفض جوبز في البداية إجراء عملية جراحية لإزالة الورم، واعتمد على العلاجات البديلة والنظام الغذائي النباتي. لكن بعد تفاقم حالته، قام بإجراء العملية في عام 2004، وتلقى علاجاً كيميائياً وإشعاعياً. وبعد فترة من التعافي، عاد جوبز إلى شركته، وأطلق منتجات جديدة مثل آي فون وآي باد.
ستيف جوبز يحول أبل إلى عملاق التكنولوجيا

في ست سنوات فقط، ارتفع سعر سهم أبل من 6 دولارات إلى 80 دولارًا، ورغم أن شركة مايكروسوفت كانت تتفوق عليها في حصة السوق، إلا أن أبل كانت تحقق أرباحاً هائلة، واستطاع جوبز أن يجذب المشاهير للمشاركة في فعاليات الشركة.
في عام 2004، بدأ جوبز مشروعاً سرياً باسم «بيربل»، لإنشاء جهاز يعمل باللمس. في البداية، كان يفكر في جهاز لوحي، لكنه غير رأيه وقرر أن يصنع هاتفاً خلوياً يجمع بين الوسائط المتعددة والإنترنت والاتصالات. وهكذا، ولد جهاز آيفون، الذي غير مفهوم الهاتف الذكي في العالم.
في عام 2006، بعد سنتين من إطلاق آيفون، أصبحت أبل من أكبر شركات التكنولوجيا في العالم، وتفوقت على شركة ديل، التي كانت تنافسها في سوق الحواسيب. وفي ذلك العام، أرسل ستيف جوبز رسالة إلكترونية إلى جميع موظفي أبل، يسخر فيها من رئيس شركة ديل، مايكل ديل، الذي نصحه في الماضي بإغلاق شركته وإعادة المال للمساهمين. وقال جوبز في رسالته: «لقد ثبت أن مايكل ديل لا يستطيع التنبؤ بالمستقبل، فقيمة أبل اليوم أعلى من قيمة ديل، والأسهم تتغير كل يوم، وربما تكون الأمور مختلفة غداً، لكني أعتقد أن هذه اللحظة تستحق التأمل اليوم».
ستيف جوبز يحدث ثورة في عالم الهواتف الذكية

ستيف جوبز كان لديه رؤية واضحة عن جهاز محمول يعمل باللمس، ولم يستسلم للعقبات والمنافسة التي واجهته في مجال التكنولوجيا. وظل جوبز يعمل بسرية وثقة على تطوير منتجه الجديد، الذي كان متأكداً من أنه سيكون انفراجة حقيقية في عصر التكنولوجيا.
وفي يناير 2007، أبهر جوبز العالم بإعلانه عن جهاز آيفون، في معرض Macworld Expo». وكان جهاز آيفون يجمع بين خصائص جهاز آي بود للموسيقى وشاشة تعمل باللمس حساسة وسلسة ولا تحتاج إلى قلم، بخلاف معظم الأجهزة المحمولة في ذلك الوقت. وكان متصفح سفاري الخاص بجهاز آيفون هو أول متصفح ويب كامل الميزات على الهاتف.
جهاز أيفون حقق نجاحاً باهراً، حيث بيع مليون وحدة منه في 74 يوماً فقط منذ إطلاقه في أغسطس 2007. وفي عام 2008، أطلقت شركة أبل أول تحديث كبير للجهاز وهو “iPhone 3GS”، وكان لديه سرعات شبكة أسرع. لكن التغيير الأكبر كان مع ابتكار متجر أبل للتطبيقات، وهو متجر على الإنترنت يتيح للمستخدمين شراء وتثبيت البرامج من مطورين غير تابعين لشركة أبل. وعند الإطلاق، كان متجر التطبيقات يحتوي على 500 تطبيق.
وأعلن المستثمر الاستثماري الشهير جون دوير من شركة «Kleiner وPerkins وCaufield & Byers»، أن صندوق«iFund» سيستثمر بقيمة 100 مليون دولار لمطوري التطبيقات. وكانت هذه الخطوة بداية اقتصاد التطبيقات، وبدأت شركة أبل تتفوق على منافستها مايكروسوفت.
ستيف جوبز يعلن عن جهاز آي باد (iPad)

في الوقت الذي يحقق ستيف جوبز، نجاحات هائلة، كانت صحته بدأت تتدهور، وهذا كان له تأثير كبير على إدارته للشركة، وفي عام 2009، تم تعيين تيم كوك كرئيس تنفيذي مؤقت، في حين حصل جوبز على أول إجازات طبية من أصل ثلاث إجازات طبية ممتدة، وحتى عند عودة جوبز، أصبح كوك متحدثًا رئيسيًا منتظمًا في أحداث شركة أبل. وعندما عاد جوبز، كانت توقعاته حول كوك تشير إلى أنها ممتاز في الإدارة.
وفي عام 2010، قدم جوبز أخيرًا جهاز أبل آي باد (Apple iPad)، وهو الجهاز اللوحي، الذي كان يعمل عليه منذ أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين.
وفي عام 2011، خلال آخر إجازاته الطبية، قدم جوبز، الخدمة التي تربط بين منتجات أبل، وهي خدمة آي كلاويد (iCloud)، وكان آخر ظهور علني لجوبز في يونيو 2011، حيث اقترح إنشاء حرم جامعي جديد لشركة أبل على مجلس مدينة كوبرتينو، وبعد سنوات من البناء، تم افتتاح أبل بارك (Apple Park) في عام 2017.
رحيل ستيف جوبز

تنحى ستيف جوبز عن منصبه كرئيس تنفيذي لشركة أبل في 24 أغسطس 2011، وقبل منصب رئيس مجلس الإدارة بعد انتكاسة سرطان البنكرياس، ليترك منصب القيادة بعد سنوات من النجاح في الإدارة، ولكنه ظل يعمل في الشركة حتى وفاته في 5 أكتوبر 2011، حيث كان يعمل في شركة أبل حتى اليوم السابق لوفاته.
في تلك الليلة، تم تنكيس الأعلام في مقر شركة أبل، وبعدها حصل تيم كوك على الموافقة للعمل بشكل كامل في منصب الرئيس التنفيذي، وواصلت شركة أبل النمو تحت قيادة كوك، لتصبح أول شركة تبلغ قيمتها تريليون دولار في التاريخ الأمريكي، وبعدها أصبحت أكبر شركة من حيث القيمة السوقية في العالم.

تعليقات
* لن يتم نشر هذا البريد الإلكتروني على الموقع.
حقوق النشر © 2024 جميع الحقوق محفوظة - وكالة انباء النافذة