شهدت الفترة الماضية، صعود العديد من الشركات العاملة في مجال تطوير الروبوتات ذات الهيئة البشرية، بالتزامن مع طفرة الذكاء الاصطناعي التي بدأت موجتها في الارتفاع منذ نهاية 2022 مع النجاح الجارف لمنصة ChatGPT.
وتوقع خبراء ألا يكون من السهل جعل الروبوتات أكثر ذكاءً، إلا إذا نجحت الشركات في تطوير نماذج ذكاء اصطناعي تُمكن الروبوتات من فهم العالم بشكل أفضل.
مؤخراً عرضت شركة Figure الناشئة مقطع فيديو عن روبوتها الذكي Figure 01 والذي يتفاعل لفظياً مع أحد مهندسي الشركة بمجرد الأوامر النصية المنطوقة، وكانت حركته انسيابية، على الرغم من بطئها بعض الشيء.
وأعلنت الشركة الناشئة التي تأسست منذ أقل من عامين، في فبراير الماضي، شراكة مع شركة OpenAI، والتي تمد روبوتات الشركة بالنماذج الذكية المتطورة التي تسمح لها بإدراك العالم والتفاعل مع البشر بشكل أكثر طبيعية، فمن خلال نموذج GPT المختص بفهم وتحليل النصوص، ونماذج DALL-E الخاص بتحليل الصور، وSora المختص بفهم العالم المحيط وإنتاج الفيديوهات من الأوامر النصية، تصبح الشركة قادرة على تحقيق هدفها، لبيع مليارات الروبوتات خلال السنوات المقبلة.
وجمعت الشركة استثمارات بقيمة 675 مليون دولار من مجموعة مستثمرين، بينهم مؤسس أمازون، جيف بيزوس، وشركات مايكروسوفت، ونفيديا، وإنتل، و OpenAI، كما دخلت في شراكة مع شركة السيارات الألمانية BMW لتبدأ الروبوتات في العمل على خطوط الإنتاج في مصانع السيارات.وسبق أن أعلن سام ألتمان، مؤسس ومدير OpenAI، إيقاف شركته لجهودها البحثية في مجال تطوير الروبوتات، وحولت تركيزها إلى تطوير الأنظمة البرمجية القادرة على الوصول لمرحلة الإدراك والفهم والاستيعاب، وفق تصريحاته في لقاء مع مؤسس مايكروسوفت، بيل جيتس.
وأضاف: "الآن بدأت الشركة الاستثمار في عدد من الشركات الناشئة العاملة في قطاع الروبوتات".
حديد بعقل بشري
العقل البشري عندما يتعامل مع أي موقف في الحياة اليومية، يؤدي أفعالاً معتمدة على سنوات طويلة من الخبرات الحياتية، كما يجري تحليلاً لحظياً للموقف الذي يواجههه، وهو ما يعرف بالذكاء الفطري أو الذكاء العام General Intelligence، وهذا ما تحاول معظم شركات الروبوتات تحقيقه في الأجسام الحديدية "الذكية" التي تصنعها.وقال كارول هاوسمان، أحد مؤسسي شركة Physical Intelligence ومديرها التنفيذي: "نحن نسعى إلى تقديم الذكاء الاصطناعي في صورة تطبيقات عملية على أرض الواقع، من خلال نموذج ذكاء اصطناعي عام، قادر على تشغيل أي روبوت".
وتعد شركة "فيسيكال إنتيليجانس" واحدة من الشركات الواعدة في سوق الروبوتات، فهي تستهدف بناء عقل اصطناعي يضاهي قدرات العقل البشري، في صورة نماذج ذكاء اصطناعي عالية التطور، بحيث تزود الروبوتات وأية معدات آلية بمستوى من الذكاء يجعلها قادرة على إنجاز مهام مختلفة.
الشركة الناشئة، والتي حصدت استثمارات بقيمة 70 مليون دولار، من عدة مستثمرين بينهم شركة OpenAI و"سيكويا كابيتال" و"خوسلا فينتشرز"، تستهدف بناء نظام روبوتي عام لخدمة أغراض مختلفة، بحيث يناسب أنواع مختلفة من الروبوتات.
بناء نموذج فريد للذكاء الاصطناعي هو الهدف الذي يميز Physical Intelligence، إذ أن نموذجها يعتمد على الدمج بين القدرات البشرية مع إمكانيات الآلات، بمختلف أشكالها.وقال هوسمان، في تصريحات لـ"بلومبرغ": "يعجبني اهتمام الشركات بإنشاء روبوتات بهيئة بشرية.. ولكن المميز لدى البشر ليست هيئتهم الخارجية وأجسامهم، وإنما عقولهم".وأكد أن العمل خلال الفترة المقبلة سيركز بشكل رئيسي على إنشاء أكبر منصة برمجية لإمداد الآلات والروبوتات بالقدرات البشرية، ومن ثم تأتي مرحلة التجربة العملية، والتي تتضمن شراء عدد كبير ومتنوع من الروبوتات لتجربة النظام الذكي عليها.لكن شركة 1X اختلفت في رؤيتها للروبوتات الذكية عما تقدمه "فيسيكال إنتيليجانس"، فشركة "ون إكس" تقدم روبوت ذكي يحمل اسم Eve، والذي يجري تدريبه عبر نموذج ذكي مُدرب على كم ضخم من مقاطع الفيديو لبشر يؤدون مهام في القطاعات الصناعية وإدارة المخازن والأعمال المختلفة في القطاع الزراعي، وغيرها من قطاعات في سوق الأعمال، حتى يكون قادراً على تحليل كل بيكسل في الفيديوهات، ويبدأ في تقليدها في الواقع الحقيقي.
وعرضت الشركة مقطع مصور، في فبراير الماضي، توضح خلاله عملية إدارة مخزن بشكل أوتوماتيكي بالكامل اعتمادا على 17 روبوت من روبوتاتها.وأشار إيريك جانج، مدير قطاع الذكاء الاصطناعي في "ون إكس"، إلى أن الشركة تعمل على تطوير التناغم في العمل بين مختلف الروبوتات، إلى جانب إتاحة تعبيرات وجه تتغير من خلال تفاعل الروبوتات مع البشر، بحسب حوار مع موقع IEEE Spectrum.
في السياق نفسه تشارك شركة تسلا في المنافسة بسوق الروبوتات عبر روبوتها Optimus، والذي كشفت عنه الشركة في 2021، ومر بمراحل تطور عديدة، كان آخرها في ديسمبر الماضي.
أوبتيموس حصل على تصميم متطور تماماً للهيكل، وخفض وزنه بمعدل 10 كيلوجرامات، ما أسهم في زيادة سرعته خلال المشي بنسبة 30%، إلى جانب مستشعرات للحركة تمنح الرأس حرية الحركة في اتجاهين، ومنح اليدين حرية الحركة في 11 اتجاهاً، ما يجعل الروبوت قادراً على التعامل بدقة فائقة مع الأشياء، حتى وإن كانت هشة.وطورت الشركة تصميم قدميّ الروبوت لتصبحا أقرب للقدم البشرية، وأكثر حساسية للحركة، وتتغير قوة ضغط القدم بحسب السطح الذي تمشي عليه لضمان توازن وثبات الروبوت.
وأشار إيلون ماسك، مدير تسلا ومالكها، إلى أنه على الرغم من توجه الشركة في المقام الأول نحو إنجاز المهام في المصانع، وأداء "المهام الروتينية المتكررة المملة نيابة عن البشر"، إلا أنه يتوقع أن يكون للروبوتات شبيهة البشر مكاناً داخل المنازل، لتساعد البشر في إنجاز المهام اليومية، مثل التسوق من المتاجر ومساعدة كبار السن.
هل البشر في خطر؟
وعلى الرغم من التطور الكبير في تصميمات هياكل ومستشعرات الروبوتات وكذلك أنظمتها الذكية لفهم العالم، إلا أنه أخيراً تزايدت الحوادث الخطيرة التي تعرض لها البشر بسبب انتشار الروبوتات، ووصلت الخطورة إلى حد الموت إذ تعرض عامل داخل مصنع في كوريا الجنوبية للسحق بواسطة روبوت في 2023، بعدما فشل في التمييز بينه وصناديق المنتجات، إذ رفعه لأعلى، ووضعه بقوة على خط الإنتاج، حسبما أفادت وكالة "يونهاب" الكورية للأنباء.وكان العامل يفحص مستشعرات الروبوت في مركز توزيع للمنتجات الزراعية في مقاطعة جيونج سانج الجنوبية، عندما باغته الروبوت، ووضعه على الحزام الناقل، ما تسبب في سحق وجهه وصدره، ونُقل بعد ذلك إلى المستشفى، لكنه فارق الحياة لاحقاً متأثراً بجراحه.
وهذه هي الواقعة الثانية في عام واحد، إذ سبقها حادث آخر تسبب خلاله روبوت صناعي في تعرض عامل كوري لإصابات بالغة في مصنع لإنتاج قطع غيار السيارات.ورصدت دراسة، نشرتها المجلة الأميركية للعلوم الصناعية مطلع العام الجاري، حوادث عديدة، لقي فيها 41 شخصاً مصرعهم، بسبب الروبوتات داخل المصانع، في الفترة بين 1992 و2017.وأشارت الدراسة، إلى أن 83% من الحوادث تسببت فيها روبوتات ثابتة، بينما النسبة المتبقية أحدثتها الروبوتات المتحركة.
وأوضحت الدراسة، أن 4 من أصل كل 5 حوادث، كانت تقع خلال عمليات الصيانة الدورية للروبوتات، ما يعكس أن الحوادث التي تقع خلال أداء الروبوتات مهامها تشكل نسبة ضئيلة من الخطر على حياة العمال البشر، لذلك يطالب الخبراء بوضع سلامة الإنسان كأولوية قصوى عند تطوير كل جزء من الروبوتات، كي نجعلها خطوة نحو تقدم البشرية، لا القضاء عليها.