"زرقاء اليمامة" هي أول أوبرا سعودية، وأكبر إنتاج أوبرالي باللغة العربية، يقدّم قصة خالدة، تستمدّ أحداثها ولغتها من ثقافة الجزيرة العربية، التي تمثّل السعودية جلّ أرضها وحضارتها، عبر أداء يجمع بين مواهب سعودية وعالمية.
ونظراً لأهمية هذا الحدث الفني سعودياً وعربياً، "الشرق" تحدثت إلى القيّمين على هذا العمل، قبيل بدء العروض في 25 أبريل الجاري، على خشبة مسرح مركز الملك فهد الثقافي في الرياض.
زمانان: انحياز للأسطورة
استغرق العمل بهذا المشروع نحو ثلاث سنوات، بهدف تحويل القصة التاريخية إلى عمل أوبرالي، إذ استوحى مؤلف العمل الشاعر والكاتب المسرحي السعودي "صالح زمانان"، فصول الأوبرا من قصّة امرأة حكيمة منحدرة من قبيلة "جديس" جنوب نجد، تعيش أحداثاً ملحمية تُنذر بأخطار تحيط بقومها.وعلى الرغم من تعدّد المصادر والروايات حول الشخصية، إلا أن المؤلف يرى "أن الانحياز للأسطورة هو الانحياز للفن".
وقال زمانان في حديثه لـ "الشرق": "زرقاء اليمامة" بالنسبة لي هي منطقة خصبة بالخيال، أسطورة ربما لها جذور، وأنا مع مفهوم تفكيك الأسطورة، لأن هناك دائماً قصة وراءها، لكنها تزدهر في المخيّلة الشعبية حتى تصبح بهذا الشكل الخارق للطبيعة والمألوف. لذلك الأسطورة دوماً مجال واسع للأعمال الفنية، وخصوصاً المسرح والسينما والأوبرا".
واعتبر أن "تميّز قصة أوبرا زرقاء اليمامة، يكمن في كون البطلة هي امرأة، إذ إن المجتمع السعودي اليوم يعيش مرحلة تعويضية، وما قبل الرؤية، كان المسرح يفتقد لوجود المرأة، أما اليوم فالمرأة هي ركن أساس، وبطلة أعمالنا المسرحية".
وأشار إلى أن زرقاء اليمامة "هي امرأة تمتلك الجمال العربي، وتمتلك الحكمة والقيادة، وهي روح الأسطورة. إنها المرأة التي تستطيع أن ترى عن بُعد، أو على مسيرة ثلاثة أيام".
شرارة درامية
ولفت إلى أن "القصة التاريخية تحمل شرارة درامية عالية، فيها بؤر هائلة للصراع، استطعت استثمارها والاعتماد عليها في صناعة النص، على الرغم من أني أضفت شخصيات وأفكار، لكنها لم تؤثّر في المسار العام والثيمات الكبرى داخل القصة التاريخية، وهي بالمناسبة مهمّة جداً على الخشبة، وخصوصاً في مجال الأوبرا".وأكد زمانان "أن خوض تجربة الأوبرا لم يكن سهلاً، فهو فن كلاسيكي أوروبي أو غربي خالص، ومحاولة فهم تقنيات هذا الفن، داخل قصتنا العربية زرقاء اليمامة، وبلغة عربية خالصة، لم يكن يسيراً".أضاف: "أنا قادم من المسرح، ومتخصّص فيه أكاديمياً، لديّ تجربتي وخبرتي في التقنيات المسرحية، أما الأوبرا فهي موضوع مختلف، والاشتغال فيه مختلف عن المسرح، لكن الفريق اجتهد بشكل كبير في مراحل مهمة من العمل، حتى استطاع تجاوز الصعوبات.
دراما إنسانية
الرئيس التنفيذي لهيئة المسرح والفنون الأدائية سلطان البازعي، أكد لـ"الشرق"، أن "زرقاء اليمامة" هي عمل فني لا يقلّ أهمية عن أي أوبرا عالمية، على المستوى الإنتاجي"وعن سبب اختيار شخصية زرقاء اليمامة للعمل الأوبرالي السعودي، على الرغم أن التاريخ العربي يضجّ بالقصص الملهمة، قال البازعي: "تاريخنا العربي مليء بالقصص، لكننا بدأنا من قصة كانت في مرحلة ما قبل الإسلام، وهي قصة تتمتع بأحداث درامية ملهمة إنسانياً، من دون أي توجّه سياسي أو مناطقي".
أضاف: "لذلك نعتقد أن تقديمها للعالم سيبرز العمق الحضاري والتاريخي للجزيرة العربية، واللافت في العمل أن الشخصية الرئيسة هي امرأة، وهي دلالة تؤكد أن الحضارة العربية منحت المرأة قيمة في مجتمع ما قبل الإسلام، وفي عصرنا الحالي".واعتبر البازعي، "أننا ربما لم نكن ناجحين في نقل ثقافتنا للعالم من قبل، وكنا نتداولها فيما بيننا، لكن من المهم أن يطّلع العالم كله على حضارتنا وتاريخنا العربي، ولدينا الكثير من القصص الملهمة على المستوى الإنساني، وهذه مجرد بداية".
وتؤدي المقطوعات الموسيقية للأوبرا أوركسترا دريسدن سينفونيكر، بينما ترافق الجوقة الفلهارمونية التشيكية أحداث القصة الشائقة بأصوات مميزة، في الوقت الذي يضطلع فيه المخرج السويسري دانييل فينزي باسكا، بمهمة إخراج الأوبرا بكامل تفاصيلها في قام الأوبرالي العالمي لي برادشو بتأليف ألحان القصة الملحمية.
ارفعوا سقف توقعاتكم
وقالت الفنانة الأوبرالية السعودية سوسن البهيتي لـ "الشرق"، "أنا فخورة بهذه التجربة، وبمستوى وجودة العمل الذي يضاهي الأعمال العالمية، وأود أن أقول للجمهور ارفعوا سقف توقّعاتكم، لقد أتقنا غناء الأوبرا بالعربية".تابعت: "في البداية كانت لديّ شكوك معينة حتى شاهدت العمل في مراحله الأخيرة، وانبهرت من روعة الإنتاج وضخامته، لجهة الموسيقى والتمثيل والإخراج والتكنولوجيا".
وأكدت أن "مشاركة فنانين عالميين يؤدّون العمل باللغة العربية، هو من أبرز الرسائل التي نقدّمها للعالم". أضافت: "أصعب ما في الأمر المحافظة على جمال اللغة العربية، وجماليات غناء الأوبرا في الوقت نفسه، وذلك كان من أكبر التحديات، لكنها كانت تجربة ممتعة".
أجانب يغنون بالعربية
وقال الفنان الأوبرالي السعودي خيران الزهراني: "بدأت في إيطاليا، والآن أغني أوبرا سعودية مكتوبة باللغة العربية للمرّة الأولى، وهي أضخم أوبرا عربية، وهذه تجربة تجعلني أتباهى بها في كل مكان".وأكد أن هذا العمل "يمثّل قفزة نوعية، إذ إن إعداد عمل أوبرا كاملة من الصفر، أمر مهم، وخصوصاً أن آخر أوبرا كتبت تقريباً قبل نحو 100 عام، وأتحدث هنا عن الكتابة، وليس عن التقديم، لذلك أقول بأنها تمثّل فرصة كبيرة لأنها ستفتح آفاقاً واسعة".
وأشار إلى أن "ما يميّز العربية هو مخارج الحروف، وحين ترى الفنانين الأجانب يغنون بلغتنا العربية، فهذا بحد ذاته يمثّل نقلة نوعية كبيرة في فن الأوبرا".يذكر أن هيئة المسرح والفنون الأدائية، تهدف من خلال إنتاج هذا العمل، إلى تعزيز الحراك الثقافي السعودي، وإبراز المواهب الوطنية، وإعادة إنتاج وإحياء أعمال وقصص شهيرة موروثة من الجزيرة العربية بأسلوب معاصر وإبداعي، وذلك في إطار الاستراتيجية الوطنية للثقافة المُنبثقة من رؤية المملكة 2030.تصنيفات