14 Dec
14Dec

لم تفجر الأحداث المتلاحقة بصخبها وعواصفها إثر سقوط نظام بشار الأسد، الأسئلة الساخنة حول مستقبل سوريا، وشكل البلد بعد ما يقرب من نصف قرن من حكم النظام السابق فقط، بل حملت معها كذلك علامات استفهام حائرة حول طبيعة العلاقة بين "الفن والسلطة" ومن فيهما يستفيد من الآخر ويوظفه وفقًا لحساباته ومصالحه.

شهدنا الكثير من التقلبات والصراعات وحركات المد والجزر، التي تعكس صراعًا أبديًّا بين "المبدأ والمصلحة" و"التبعية والاستقلال" و"الرغبة في احترام النفس" في مقابل "الرغبة في نيل الحظوة" لدى صاحب المنصب والجاه. 

ووجد الكثيرون من "مؤيدي النظام" أنفسهم في ورطة بعد هروب الأسد، وتركهم بمفردهم ليسددوا فاتورة الغضب الشعبي المتراكم طوال 14 عامًا، بعضهم اعتذر بقوة وحاول استرضاء الجموع بكلمات لا لبس فيها، مثلما فعل أيمن زيدان الذي أقر بأنه كان "موهومًا وخائفًا". شيء قريب من هذا عبرت عنه سوزان نجم الدين حين أقرت بأنه "كم كنا مخدوعين" وأنهم "زرعوا الخوف في قلوبنا".

 بعضهم الآخر حاول أن يمسك العصا من المنتصف، فلا يغسل يديه من ماضيه مع السلطة تمامًا، وفي الوقت نفسه ينفي عن نفسه، ولو بشكل غير مباشر، تهمة نفاق الحاكم، كما فعلت سلاف فواخرجي. تثير مثل تلك المواقف تساؤلات مشروعة حول طبيعة رد الفعل، التي يجب أن يتخذها الفنان حين يجد نفسه في محاولة سلطة تريد أن توظف شهرته لمصالحها.

وانحاز فريق من فناني سوريا إلى المعارضة، هناك من فعلها تدريجيًّا، وهناك من فعلها منذ مظاهرات اللحظة الأولى ومقتل الطفل "حمزة الخطيب" الذي أشعل فتيل الغضب الشعبي.هناك من كانت معارضته بالمطلق، وهناك من انحاز إلى فصيل معين في المعارضة التي تضم فيسفساء واسعة، من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار، ومن علمانية الدولة وليبراليتها إلى الحكم الديني على طريقة القرون الوسطى. وضمت قائمة فناني المعارضة أصالة، وكندة علوش، وسامر المصري، وجمال سليمان، ومكسيم خليل، وأمل عرفة، وعابد فهد، وغيرهم ممن تنوعت مواقفهم ما بين "الحدة" و"الخفوت"، بين المطالبة بـ"هدم المعبد" على الرؤوس، وبين المناداة بـ"حلول توافقية" تحقن الدم. 

ولأن السياسة تجيد لعبة تكوين "الجبهات المضادة"، فيظهر على سبيل المثال للمظاهرات المعارضة أخرى مؤيدة، سرعان ما برز للوجود جبهة فنية من الموالاة تناطح نظيرتها المتمردة وتضم نخبة من الأسماء اللامعة يتقدمهم دريد لحام، وأيمن زيدان، وسلاف فواخرجي، وسوزان نجم الدين، وباسم ياخور، وقصي خولي. وكان من السهل توجيه تهمة نفاق السلطة ومغازلة الحكم المستبد، خوفًا وطمعًا، إلى فريق الموالاة، لكن رموز المعارضة تلقت هي الأخرى سيلًا من الاتهامات بالعمالة والخيانة وتلقي التمويل الأجنبي، وخدمة الأجندات المعادية للدولة السورية إقليميًّا ودوليًّا، فضلًا عن التمترس في خندق واحد مع الإرهابيين والدواعش وأصحاب المرجعيات المتطرفة. 

وعلى الناحية الأخرى، ارتمت ظلال من التشكيك في وطنية جبهة المعارضة، وسط عواصف عدم اليقين وارتفاع الشبهات، لتطال معظم اللاعبين في المضمار، بشكل أو بآخر، وبدرجة أو أخرى.

وكان سهلًا أن يدافع المعارضون عن موقفهم بعدِّهم "ثائرين ضد الظلم والاستبداد وحكم الفرد ومصادرة المجال العام"، فيما دافع الموالون عن أنفسهم، مؤكدين أنهم "ضد التمويل الأجنبي والمؤمرات العلنية والتطرف الديني".

تعليقات
* لن يتم نشر هذا البريد الإلكتروني على الموقع.
حقوق النشر © 2025 جميع الحقوق محفوظة - وكالة انباء النافذة