رغم أن الحرب السورية تأتي كخلفية مؤثرة في حكاية مسلسل "النسيان" الذي كتبه شادي كيوان وأخرجه الفوز طنجور، إلا أنها لم تكن مركزية في الأحداث التي أخذت منحًى مغايرًا للأعمال الدرامية التي تتناول موضوع اللاجئين السوريين في لبنان، كما أن قصة العمل بتركيزها على البعد الإنساني للشخصيات كسبت رهان المغايرة.المسلسل الذي عُرض على منصة أمازون برايم يتمحور حول طبيبة التخدير "ميا" (سيرين عبد النور) المتزوجة من طبيب القلب "حازم" (قيس الشيخ نجيب)، والتي تلجأ إلى لبنان هربًا من الحرب في سوريا، وبعد مرور بعض الوقت من العيش في البلد الجديد، تتعرض مع طفليها شمس وزين لحادث سير، ما أن تستفيق منه حتى تكتشف أن طفليها اختطفا، لتبدأ رحلة بحثها عنهما.غياب شمس وزين غيرها وغير كل شيء من حولها، وصار شغلها الشاغل محاولة الوصول إليهما بأي ثمن، وهذا أثر على نفسيتها وتعاطيها مع الآخرين، وخاصة زوجها الذي بات تعاملها معه مُتَّسمًا بالبرود الشديد وعدم المبالاة بواجباتها المنزلية والزوجية. عشر سنوات متواصلة من البحث عن طفليها كانت منهكة إلى الحد الأقصى، لكن إصرارها وإيمانها بأنها لن تفقدهما إلى الأبد، جعلها تلتقي صدفة بابنتها شمس في منزل صاحب المستشفى الذي تشتغل فيه وهو الدكتور فادي "يورغو شلهوب" مع زوجته هناء "كارول الحاج"، لكن العقبة هنا بأن ذاكرة طفولة ابنتها كانت ممسوحة بشكل شبه كامل.
معضلة أخلاقية
ووصل تعقيد الموضوع أن شمس تغيرت كثيرًا، والأنكى أنها لم تتقبل إلا أن تكون "سيلا" وهو اسمها الذي أطلقه عليها فادي وهناء، ليضعها في صراع بين عائلتها البيولوجية والعائلة التي ربَّتها، لنكون أمام المعضلة الأخلاقية التي تعمَّق فيها "برتولت بريشت" في مسرحيته دائرة الطباشير القوقازية، تلك المعضلة كانت تشتد مع كل محاولة للأم ميا في إقناع ابنتها بالعودة إليها، ويزداد الوضع سوءًا عندما حاولت شمس أكثر من مرة أن تهرب من منزل عائلتها بالتبني.في خط موازٍ، لم يتوقف بحث ميا وزوجها حازم عن ابنهما زين، الذي يكشف لنا العمل أن أحد الرجال السيئين ادعى أنه والده بعد حادث السير، وربَّاه وصار يشغله ببيع المناديل الورقية في الشوارع، لكن ذاك الرجل كان يضع حبوبًا مخدرة في عُلب المناديل، وبالصدفة اشترت ميا من ابنها، من دون أن تعرفه، بعض المخدرات لرغبتها آنذاك بالهروب من واقعها المزري. واقع جعلها تصب جل اهتمامها على إيجاد ولديها، حتى إنها بعد اكتشاف علاقة الغرام التي باتت تربط زوجها مع صديقتها المقربة "أليسار" (ندى أبو فرحات)، لم تفعل أي شيء وجعلت الأمور تسير وكأن الأمر لم يحصل، واستمر ذلك حتى الحلقة الأخيرة عندما تكشفت الحقائق جميعها دفعة واحدة.
تشويق وإثارة
خمس عشرة حلقة مليئة بالتشويق والإثارة وحبس الأنفاس، استطاع من خلالها الفوز طنجور أن يستغل حيوية نص شادي كيوان إلى الحد الأقصى، وأن يشتغل على أدق التفاصيل المتعلقة بأداء الممثلين، خاصةً أن العمل يغرد خارج سرب الأعمال المشتركة بصيغتها التقليدية، حيث لا يتكئ على جماليات الثنائي سيرين وقيس بقدر الاهتمام بتسخير إمكانياتهما التمثيلية في خدمة الحكاية كاملةً.وإلى جانب الإدارة المميزة لبقية الممثلين يحسب للمخرج حُسن تقديمه للأطفال "بتول طهمز ومحمد زيدان وجان سكرية وغاييل أبو جودة وعمر طرخون"، بحيث استطاع أن يجعلهم على قدم المساواة مع الممثلين الكبار من ناحية الأداء والقدرة على تجسيد شخصياتهم بفهم ووعي كبيرين.كل ذلك جعل من مسلسل "النسيان" الذي أنتجته شركة بلو بي لصاحبها محمد مشيش، ذا وجهة درامية مميزة في تعاطيه مع موضوع العائلة التي تُربي ونظيرتها التي تنجب، وأيضًا في العلاقة بين العواطف والحقوق والواجبات وانعكاساتها الأخلاقية على البشر، وقدرتها على إنعاش الذاكرة الإنسانية.