ما تزال الأمطار في العراق دون المستوى رغم الدخول في شهر كانون الأول الذي من المفترض تساقط أمطار غزيرة فيه، وهو ما يهدد الموسم الزراعي في العراق، في ظل الخزين المائي المنخفض بشكل كبير واستمرار تناقص حصة البلاد المائية العادلة من دول الجوار.
إذ أكد مدير ناحية قزانية شرق العراق يحيى قمبر، اليوم الأحد، أن امطار كانون الأول لم تسعف مناطق شرق العراق، وأن الوديان الحدودية السبعة التي تشكل مسارات لتدفق السيول الموسمية فارغة حتى الآن.وعادة ما تبدأ الحالة المطرية في العراق، من شهر تشرين الثاني وتكون خفيفة إلى متوسطة الشدة، وتزداد شدتها في شهر كانون الأول، لكن في الموسم الماضي تأخرت الأمطار الغزيرة إلى شهر شباط.
ويفقد العراق 100 كيلومتر مربع من الأراضي الزراعية سنوياً نتيجة التصحُّر ويخلُص تقرير، صدر عن وزارة الموارد المائية العراقية، إلى أن موجات الجفاف الشديد المتوقعة حتى سنة 2025 ستؤدي إلى جفاف نهر الفرات بشكل كامل في قطاعه الجنوبي، بينما سيتحوَّل نهر دجلة إلى مجرى مائي بموارد محدودة.
وقال قمبر في حديث ، إن “هطول الأمطار في قاطع شرق العراق ومنها قزانية والمناطق القريبة منها كان محدودا للغاية على عكس باقي المناطق” مؤكدا انه “لم يرصد أي تدفق سيول على الشريط الحدودي بين العراق وإيران حتى اللحظة”.
وأضاف ان “الوديان الحدودية السبعة التي تشكل مسارات لتدفق السيول الموسمية فارغة حتى الان ولم تسعفها الامطار”، مشيرا إلى ان “السيول رغم ان الجزء الأكبر منها يذهب دون أي استفادة منها بشكل مباشر الا انها تسهم في تغير نوعية المياه الجوفية لمناطق حدودية مترامية تعتمد بنسبة 90% على الابار في توفير مياه السقي وصولا الى الاسالة”.
وأشار الى انه “تم توسيع الوديان قبل حلول موسم الشتاء ما اسهم في زيادة قدرتها على استيعاب الموجات الفيضانية مهما كانت قوتها لتفادي تضرر القرى الحدودية والمزارع القريبة”.
وكان قائممقام قضاء مندلي علي ضمد الوسمي، كشف في 20 كانون الأول ديسمبر الجاري، عن التريث في إعلان حالة الاستنفار في قاطع حدود شرق العراق، مبينا أن معدل هطول الأمطار بشكل عام دون المتوسط ما يعني ان تدفق سيول في الوديان الحدودية الـ6 سيكون ضعيفا للغاية.
وتثير إحتمالية مرور شتاء جاف على العراق قلق ومخاوف الكثير من المراقبين، ويعد الشتاء الجاف حالة مناخية معروفة ولطالما عانى منها العراق في سنوات سابقة لكنها هذه المرة تأتي وسط ظروف مائية صعبة تهدد الموسم الزراعي.وكان زعيم تحالف مستقبل العراق باقر جبر الزبيدي، قد حذر في 18 كانون الأول ديسمبر الجاري، من مؤشرات موسم الشتاء الحالي وانعكاساتها على السنوات الخمس القادمة، مبينا أن هذه الأزمة ستفرض على المزارعين في العراق اللجوء إلى الري بالتنقيط وتبطين الأنهر للمحافظة على نسبة المياه المهدورة أثناء السقي أو الري، فيما دعا الحكومة إلى اتخاذ إجراءات عاجلة بشأن زيادة الحصص المائية للعراق من قبل دول المنابع والاستعانة بكل الطرق الدبلوماسية وأوراق الضغط الاقتصادية من أجل زيادة حصتنا من المياه.
ولم يفلح العراق منذ منتصف القرن الماضي بوضع حلول نهائية لأزمة متكررة باتت ورقة ضغط بيد دول المنبع تركيا وإيران، لتحقيق مكاسب سياسية واقتصادية من خلال التحكم بشكل مطلق بتدفق مياه نهري دجلة والفرات.ويبدو أن الحكومات العراقية على مدى قرن مضى فشلت في توقيع اتفاق ملزم مع الجارتين يضمن حقوق بلاد ما بين النهرين بشكل دائم.وكانت عضو لجنة الزراعة والمياه والاهوار النيابية ابتسام الهلالي أكدت، في 16 كانون الأول ديسمبر الجاري، أن تركيا لم تلتزم بجميع الاتفاقات وكذلك المعاهدات التي وقعت بشأن إعطاء حصة العراق العادلة من المياه، داعية الحكومة إلى اتخاذ خطوات عاجلة مع الجانب التركي لاستحصال حقوق العراق المائية.
و يبلغ إجمالي معدل الاستهلاك لكافة الاحتياجات في العراق نحو 53 مليار متر مكعب سنويا، بينما تقدر كمية مياه الأنهار في المواسم الجيدة بنحو 77 مليار متر مكعب، وفي مواسم الجفاف نحو 44 مليار متر مكعب، وإن نقص واحد مليار متر مكعب من حصة العراق المائية يعني خروج 260 ألف دونم من الأراضي الزراعية من حيز الإنتاج.ووفقا لتوقعات “مؤشر الإجهاد المائي” فإن العراق سيكون أرضا بلا أنهار بحلول عام 2040، ولن يصل النهران العظيمان إلى المصب النهائي في الخليج العربي، وتضيف الدراسة أنه في عام 2025 ستكون ملامح الجفاف الشديد واضحة جدا في عموم البلاد مع جفاف شبه كلي لنهر الفرات باتجاه الجنوب، وتحول نهر دجلة إلى مجرى مائي محدود الموارد.وأدى ارتفاع درجات الحرارة في العراق إلى انخفاض كبير في هطول الأمطار السنوي، والذي يبلغ حاليا 30 في المئة، ومن المتوقع أن يصل هذا الانخفاض إلى 65 في المئة بحلول عام 2050.
وأصبحت تربية الجاموس “عبّ” على عاتق المربين فغياب المراعي الخضراء أدى إلى ارتفاع “العلف النباتي” من 300 الف دينار للطن الواحد إلى 800 ألف.ويرى مختصون أن العراق مقبل على كارثة بيئية اذا استمر الوضع على ما هو عليه الآن، وهذا سيكون بمثابة كارثة إنسانية لبلاد ما بين النهرين، وبالتالي هجرة الريف إلى المدينة في ظل عدم نجاح الحلول الحالية، فمن الأفضل للسلطات العراقية التوجه إلى إستراتيجية وطنية جديدة، تعمل على ترشيد استخدام المياه، ورسم سياسة ري جديدة للأراضي الزراعية، وتحديد حصص المحافظات، والعمل بجدية على وقف التجاوزات الموجودة في بعضها.وفي آذار مارس الماضي، قال رئيس الحكومة محمد شياع السوداني، في تصريحات صحفية، إن “سبعة ملايين عراقي تضرروا بسبب التغير المناخي، يرافق ذلك احتكار دول المنبع المياه العذبة، حيث حجبت السدود الكبرى التي أنشأتها الدولتان (تركيا وإيران) نحو 70 بالمئة من حصة العراق المائية”، وبالإضافة لذلك فقد أسفرت هذه الأزمة عن حلول العراق بين أكثر خمس دول تأثرا بتغير المناخ في العالم.
يشار إلى أن العراق منذ سنتين وهو يقوم باستخدام المياه الجوفية بسبب الجفاف وهو أمر يحدث لأول مرة تاريخيا، كما أن الفضاء الخزني الخالي من المياه يقدر بنحو 140 مليار متر مكعب، أما السدود الثلاثة الرئيسية وهي الموصل ودوكان والثرثار فهي تعاني مع مرور الوقت وهذا ينذر بكارثة بيئية جديدة تضاف للبلاد، بحسب مختصينيشار إلى أن غالبية مناطق الأهوار حالياً شبه خالية من السكان، بينما كانت الحياة فيها قبل سنوات قليلة مزدهرة، سواء القطاع السياحي، أو صيد الأسماك والطيور، أو تربية المواشي، حيث تحولت خلال السنوات القليلة الماضية إلى أراض قاحلة.
ويشتكي العراق منذ سنوات من السياسات المائية غير العادلة التي تنتهجها تركيا، عبر بناء العديد من السدود على نهر دجلة ما تسبب بتراجع حصصه المائية، وأيضاً إيران، من خلال تحريف مسار أكثر من 30 نهراً داخل أراضيها للحيلولة دون وصولها إلى الأراضي العراقية، بالإضافة إلى ذلك، فاقمت مشكلة الجفاف وقلة الأمطار خلال السنوات الأربع الأخيرة من أوضاع البلاد البيئية والزراعية.
وانخفض الحجم الإجمالي للمياه الواردة من دجلة والفرات بشكل ملحوظ من 93.47 مليار متر مكعب في عام 2019 إلى 49.59 مليار متر مكعب في عام 2020، ويرجع ذلك في المقام الأول إلى تصرفات دول المنبع.ومع حلول كل فصل صيف تضرب الأهوار والأراضي الزراعية أزمة مائية تؤدي إلى انحسار مساحات كبيرة في الأهوار وتقليص الخطط الزراعية بسبب شح المياه الواصلة إلى البلاد من دول المنبع، وأحيانا تبلغ الأزمة ذروتها في بعض المحافظات وتؤثر سلبا على تغذية محطات مياه الشرب بالكميات الكافية لانخفاض مناسيب الأنهار المغذية لها وتحولها إلى ضحلة يعصب تنقيتها.