سجلت الأنشطة الاستثمارية لصندوق الاستثمارات العامة السعودي خسائر بلغت حوالي 11 مليار دولار العام الماضي، وذلك بعد سنة واحدة فقط من تحقيقه أرباحا قدرها 19 مليار دولار.
وأفاد صندوق الثروة السيادي السعودي بأنه حقق زيادة في العائدات بنسبة 25 بالمئة خلال عام 2021 مع انتعاش الأسواق العالمية، بما يتماشى تقريبا مع عائد المستثمرين في مؤشر "ستاندرد آند بورز" في ذلك العام، حسبما ذكرت وكالة "بلومبيرغ".
ولم يكشف صندوق الاستثمارات العامة التي يترأسه ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، عن رقم مماثل في حساباته لعام 2022، وهو العام الذي انخفض فيه المؤشر ذاته بنسبة 20 بالمئة تقريبا.
وبحسب الوكالة ذاتها، فإن إجمالي أصول الصندوق السعودي، ارتفع إلى حوالي 778 مليار دولار من 676 مليارا.
ويمر صندوق الاستثمارات العامة في خضم موجة استثمارية عالمية، بعد أن تم تحويله من شركة قابضة تركز على المستوى المحلي إلى صندوق سيادي عام 2016.
ومنذ تسلم الأمير محمد بن سلمان منصب ولي العهد في 2017، تنكب المملكة على محاولة تنويع الاقتصاد عبر دعم قطاعات الترفيه والرياضة والسياحة وغيرها، بهدف وقف الارتهان التاريخي للنفط.
وقام صندوق الاستثمارات العامة بسلسلة من الاستثمارات المكلفة في كل القطاعات من شراء نادي نيوكاسل الإنكليزي لكرة القدم إلى الاستثمار في شركة نينتندو للألعاب الإلكترونية.
وسلطت هذه الاستثمارات واسعة النطاق الضوء على كيف يمكن أن تحد أجندة "رؤية 2030" الإصلاحية من اعتماد أكبر مصدر للخام في العالم على الوقود الأحفوري.
"خسائر غير فعلية"الخبير الاقتصادي السعودي، ياسين الجفري، يرى أن الخسائر المسجلة في العام الماضي تبقى "خسائر دفترية"، بمعنى أنها مسجلة فقط في السجلات المحاسبية للشركات أو المؤسسات، ولكنها ليست "خسائر فعلية في النقدية أو الأصول".
ويضيف الجفري في تصريح لموقع "الحرة"، أن هذا النوع من الخسائر "طبيعي" نتيجة لتذبذب أسعار الأسهم العام الماضي، مشيرا إلى أن الصندوق يقوم على استراتيجية عمل طويلة المدى، وبالتالي فإن التغيرات التي تحدث خلال سنة أو أقل لا تأثير لها.
ويشير المتحدث ذاته إلى أن للصناديق الاستثمارية سياسات طويلة الأجل ولا تبتغي الأرباح المباشرة خلال النتائج ربع السنوية أو السنوية، مبرزا أن النتائج تتغير بـ"شكل سنوي مع اختلاف الأوضاع الاقتصادية، مثل ارتفاع أسعار الفائدة أو قيمة الدولار".
ويبرز الخبير الاقتصادي، أن الهدف الأساسي من كل الاستثمارات الحالية، يتمثل خدمة أهداف 2030، وبالتالي فإن طبيعة القرارات الاستثمارية تتمركز حول بلوغ الأهداف الموضوعة وليس على النتائج السنوية المحققة.
ويلفت الجفري بالمقابل إلى ازدياد قوة الصندوق بعد إعلان إتمام نقل حصة 4 بالمئة إضافية من أسهم "أرامكو" من ملكية الدولة إلى شركة تابعة لصندوق الاستثمارات العامة، لترتفع بذلك الحصة التي يسيطر عليها الصندوق في المجموعة النفطية إلى 8 بالمئة.
أية انعكاسات؟من جانبه، يرى المحلل الاقتصادي التونسي، إسماعيل بن دويسة، أن السبب الرئيسي وراء الأرقام السلبية التي سجلها الصندوق يتمثل في "انخفاض أسواق الأسهم خلال العام الماضي، بسبب المشاكل الجيوسياسية التي عرفها العالم وعلى رأسها الحرب الروسية الأوكرانية التي أدت إلى ارتفاع التضخم".
أمام هذه الوضعية، توجهت البنوك المركزية في الدول الكبرى نحو رفع معدلات الفائدة، ما أدى، بحسب بن دويسة، إلى تراجع أسواق الأسهم، بشكل تضررت منه الصندوق الذي استثمر أصوله بقوة في عدد من القطاعات المتأثرة من الأزمة السابقة.
ويوضح المحلل الاقتصادي في تصريح لموقع "الحرة"، أن الخسائر المسجلة "ليست كارثية ولا مؤثرة بقوة"، بالنظر إلى حجم أصول الصندوق، البالغ أزيد من 700 مليار دولار، وبالمقارنة أيضا بأرباحه الكبيرة في 2021.
ويضيف المتحدث ذاته، أن خسائر السنة الماضية "لن تكون لها أي انعكاسات مؤثرة على الصندوق"، خاصة وأن سوق الأسهم بدأت تنتعش في الست أشهر الأولى من العام الجاري، مما سيمكنه من تغطية جزء كبير من خسائر الفترة الماضية.
ويضيف بن دويسة أن الصندوق السيادي السعودي يشتغل باستراتيجية خُمسية (كل خمس سنوات وغير سنوية)، بالتالي يمكن تعويض النتائج السلبية للعام الماضي، ويظهر هذا أساسا، بحسب المتحدث ذاته، في أن الصندوق السيادي لم يتوقف عن الاستثمار منذ بداية العام الجاري، في مجالات مختلفة.