يعد ارتفاع أسعار الأدوية من المشاكل التي يعاني منها أغلب العراقيين، الذين لا تسعفهم إمكاناتهم المادية في توفير الدواء والمستلزمات الطبية الأخرى، في ظل النقص الحاد في الأدوية داخل المستشفيات، الأمر الذي يدفع المراجعين إلى تحمل كلفة شراء الأدوية من الصيدليات الخارجية، بمبالغ كبيرة جدا.
ورغم محاولات الحكومات المتعاقبة “المتعثرة” في وضع تسعيرة ثابتة لها في عموم البلاد، إلا أنها لم تنجح، إذ كشف عضو لجنة الصحة النيابية باسم الغرابي، اليوم الاثنين، عن أسباب ارتفاع اسعار العديد من العلاجات وفقدان بعضها في السوق العراقية.
ويعاني القطاع الصحي من أزمات كثيرة، وأبرزها نقص العلاج، إذ يعتمد العراق على الاستيراد بشكل شبه تام، وتعد شركة كيمياديا، هي الجهة الأبرز لاستيراد وتوفير العلاج في العراق، وهي تابعة لوزارة الصحة، ومسؤولة عن توفير كافة الأدوية للمستشفيات أو المذاخر الأهلية، ودائما ما يثار لغط حول هذا الملف، وتطرح شبهات فساد كبيرة فيه.
وقال الغرابي في حديث تابعته “العالم الجديد”، إن “العلاج يمر بعدة مراحل منها اقرار العلاجات وثم فحص العلاجات وبعدها يتم تداول هذه العلاجات في الصيدليات، كما أن موضوع إقرار العلاجات يأخذ وقت معين في وزارة الصحة وتعني الإجراءات الإدارية ولدينا مشاكل في موضوع فحص العلاجات ويتم فحص العلاج في بغداد ولدينا أيضا مركز في النجف والبصرة، مشيرا الى انه قبل 50 يوما زارت الصحة النيابية مركز النجف وتم افتتاحه بنسبة 50% وماضي العمل بتسهيل إجراءات الفحص”.
وأضاف، “نلاحظ بين فترة واخرى بعض العلاجات تفقد من السوق مع دخول علاجات منتهية الصلاحية وننظر الى هذا الموضوع بدقة وجميع المؤسسات الصحية لا تستطيع شراء أي علاج إذا لم يكن مقر ومفحوص”.وبين عضو لجنة الصحة النيابية ان “عدم وجود العلاجات المفحوصة يؤدي الى اضطرار الصيدليات بجلب علاجات مهربة غير مفحوصة والبعض منها غير مقره موجودة في الصيدليات وتصل هذه العلاجات الى أسعار مضاعفة”.وأشار الى ان “المخصصات المالية من قبل وزارة المالية تم ايقافها واليوم تعاني جميع المؤسسات الصحية بنسب الصرف وبالتالي لا توجد لدينا سيولة مالية رغم شراء بعض المؤسسات العلاج بالدين لكن اليوم توقفت المذاخر والمكاتب العلمية وكذلك الصيدليات ببيع هذا الادوية لخوفهم من عدم استلام المبالغ المالية للبضاعة”.
واكد باسم الغرابي ان “هذه المشاكل كان يجب أن تحل بقانون الضمان الصحي الذي تم تشريعه في الدورة الانتخابية السابقة وحاليا في طور أن يطبق بصورة كلية وقبل فترة تم إحالة قانون الضمان الصحي الى شركات تقوم بأتمتة هذا النظام والضمان الصحي بصورة كاملة من حيث العلاج ومن بداية دخوله للحدود وتتبعه الدوائي الى حين اقراره وفحصه ومن بعدها استهلاكه لدى المواطنين وأيضا يكون مسعر ضمن التسعيرة الدوائية”.
وأصبح القطاع الصحي المتهالك واحداً من مصادر الفساد في العراق لما يوفره من عقود ومناقصات، فالكثير من الأموال تدخل في جيوب الأحزاب وجهات نافذة في الحكومة، يستثمرون هشاشة النظام الصحي ويساهمون في ديمومته، حتى يضطر المواطن للسفر خارج البلاد وفق اتفاقيات في الغالب معدة سلفاً، ولهم نسب كبيرة من عائداتها، أو هو يلجأ إلى المستشفيات الأهلية التي تعود إليهم.
وشهدت أسعار الأدوية خلال الأسابيع الماضية ارتفاعا حادا، أدى إلى تذمر المواطنين من الأمر، وخاصة في الأمراض التي تحتاج الى علاجات طويلة الأمد، وذلك نظرا للتغيير الذي طرأ على سعر الدولار وعدم استقراره.وكانت مستشفيات بغداد، سجلت مؤخرا حالات وفاة لعدد من ذوي الأمراض المزمنة، بسبب تأخر حصولهم على العلاج بفعل ارتفاع أسعاره أو شحة، فيما أكد مسؤول في وزارة الصحة، أن “الوزارة لديها برنامج خاص للسيطرة على أسعار الأدوية، لكن حالة السوق غير المستقرة تسببت بتعطيله”.
وأكد الباحث والمختص في الشأن الاقتصادي عبد الرحمن المشهداني في تقرير سابق ”، أن “المشكلة التي يعاني منها العراق هي تعدد مصادر الأدوية، إذ أن هناك أدوية تدخل بصورة رسمية، وأخرى تأتي عن طريق التهريب من المنافذ المفتوحة وهذه تشكل الجزء الأكبر، وقسم منها مقلدة، وبعضها من شركات غير معتد بها وغير داخلة ضمن الشركات المفحوصة وهذه مشكلة تصادف النقابة لاسيما أنها لا تمتلك قوة في السيطرة عليها”، مبينا أن “فرق الإيجار يختلف من منطقة لأخرى مثلا هناك فرق بين منطقة الحارثية أو منطقة شعبية اخرى تكون فيها الإيجارات منخفضة، وهنا سيحدث فرق في التعامل مع نسب الأرباح طالما أن تكاليف الصيدليات مختلفة”.
يذكر أن الجهات المعنية، دائما ما تعلن عبر بيانات رسمية عن إحباط عمليات تهريب الأدوية من خارج الحدود، وخلال العام الماضي فقط، أعلن عن ضبط 100 طن من الأدوية المهربة.وكان النائب باسم خشان، كشف في وقت سابق، أن ما يدخل إلى العراق من أدوية بشكل رسمي لا يتجاوز 30 بالمائة فقط، وبقية النسبة هي أدوية مهربة.
وكانت المتحدثة باسم وزارة الصناعة والمعادن ضحى الجبوري، أكدت في 13 تموز يوليو الماضي، أن جميع مصانع القطاع الخاص والشركة العامة لصناعة الأدوية والمستلزمات الطبية وكل انتاجها لا يغطي أكثر من 15% من احتياج وزارة الصحة والسوق.وكشف رئيس لجنة الصحة النيابية ماجد شنكالي، في 24 نيسان أبريل الماضي، عن وجود نقص كبير في التخصيصات المالية لتوفير خدمة صحية جيدة، فيما اشار الى صرف الحكومة (200) دولار ضمن الانفاق الحكومي السنوي للفرد بالخدمة الصحية أي 17 دولار شهريا.
وبلغت موازنة 2024 “فوق الانفجارية”، نحو 228 تريليون دينار، وعجز 80 ترليونا بحسب وزير التخطيط محمد تميم.وأكد أحد الأطباء الاخصائيين في العاصمة بغداد، في حديث سابق لـ”العالم الجديد”، ان المؤسسة الصحية في العراق لم تتم متابعتها منذ عام 1962 في حين أن المنظومة الصحية في بريطانيا تقوم بعمل متابعة لنظامها كل عامين، وعلى سبيل المثال أن مستشفى القادسية في مدينة الصدر الذي يغطي حوالي أكثر من مليوني نسمة يضم خمسة اطباء اختصاص باطنية فقط، في حين كان لدينا سنة 1989، نحو 13 طبيبا اخصائيا.
وكشف مستشار رئيس الوزراء لشؤون الصناعة وتنمية القطاع الخاص حمودي اللامي، في شباط فبراير الماضي، عن حراك لإنجاز معامل الأدوية في العراق، فيما أشار إلى أن ملف توطين الصناعة الدوائية أثمر عن نتائج تفوق المخطط أكد وجود 56 طلباً لإنشاء مصانع جديدة.واعلن رئيس مجلس الوزراء محمد شياع السوداني في مطلع العام 2023، أن العراق ينفق نحو ثلاثة مليارات دولار سنوياً لاستيراد الأدوية، فيما أشار إلى أن معظم تلك الأدوية المستوردة لا تخضع إلى الفحص، دعا إلى ضرورة توطين وتطوير الصناعة الدوائية في البلاد.ويملك العراق عشرات مصانع الأدوية في القطاعين العام والخاص، وتتوزع بين المحافظات بهدف محاولة تأمين الأدوية والمستلزمات الطبية للسوق المحلية، إلا أن مجموع ما تنتجه هذه المعامل يتركز على أنواع محددة من الأدوية والأدوات الطبية.
و” نشرت تقريرا تحدث عن خسائر متتالية عانتها شركة سامراء العراقية الواقعة في محافظة صلاح الدين، وهي أقدم شركة أدوية في الشرق الأوسط، إذ عزا خبراء بالاقتصاد وأطباء ذلك إلى الفساد وسيطرة شركتين جديدتين على السوق، والتوجه للاستيراد من أجل “العمولات”، فيما ردّت وزارة الصحة بأن نوع العلاج الذي تنتجه الشركة، لا يغطي كافة الاحتياجات.