07 Oct
07Oct

يبدو أن أزمة الكهرباء في العراق، وما تشكله من عائق كبير لتطور إمكانات البلاد رغم ما تملكه من موارد طاقة، ستظل تتصدر حديث الشارع العراقي، إذ فشلت الحكومات المتعاقبة في النهوض بواقع الكهرباء رغم انفاق مليارات الدولارات وإطلاق مئات المشاريع.وفي خطوة قد تغيّر وجه القطاع الكهربائي في العاصمة العراقية، باشر مجلس محافظة بغداد، اليوم الاثنين، بتطبيق تجربة خصخصة ملفِّ المولّدات الحكوميَّة والأهليَّة.

ويعد مشروع “خصخصة الكهرباء” من المشاريع الذي بدأت به حكومة رئيس الوزراء العراقي الأسبق حيدر العبادي (2014-2018)، وطُبّق على أحياء سكنية في العاصمة بغداد، وفي وقت سجّل نجاح الخصخصة في تلك المناطق بالمقارنة مع ما تقدمه “المولدات الأهلية” للمواطن، إلا أن المشروع واجه انتقادات سياسية وأخرى شعبية بذرائع مختلفة، حتى توقفت توسعته في بقية مناطق بغداد والمحافظات الأخرى.وقال رئيس لجنة النفط والغاز في المجلس صفاء المشهداني، لصحيفة “الصباح” الرسمية، إنَّ “ملف المولدات الحكومية والأهلية مدرج ضمن أولويات عمل اللجنة، لأن الكثير من شبهات الفساد والمحسوبية شابت العمل به. وأوضح أن “اللجنة تعمل على القضاء على مشاكل هذا الملف من خلال خصخصة المولدات في جميع مناطق بغداد تباعا، أي رفع جميع المولدات الحالية والاتفاق مع شركات كبرى تعمل على نصب مولدات كبيرة ليقع على عاتقها تسلم الملف كاملا”.وتابع المشهداني، أن “عدد المولدات المسجلة في بغداد يبلغ (25) ألف مولدة، أما توزيعها فيختلف في كل ناحية حسب طبيعة المنطقة سواء كانت تجارية أو سكنية والوضع المعيشي لسكانها، فمثلا ناحية المأمون تضم (2400) مولدة وناحية المنصور (1400)، وهناك نواح وأقضية في أطراف بغداد يتراوح عدد مولداتها بين (700) إلى (900)”.

وأشار إلى أن “حكومة بغداد المحلية حاولت جاهدة في جميع دوراتها السيطرة على هذا الملف من خلال منع تواطؤ مسؤولي الوحدات الإدارية مع متعهدي المولدات في تحديد سعر الأمبير والالتزام بتعليمات المجلس بهذا المجال، فضلا عن السماح لشكاوى المواطنين بأخذ مجراها، إلا أن أغلب الإجراءات كانت بلا جدوى”.

وبين المشهداني أن “التفاوت في تجهيز الطاقة الكهربائية الوطنية من منطقة لأخرى يعد أحد الأسباب التي تفتح مجالا للفساد وعدم الالتزام بتعليمات الحكومة المحلية”.

ونوه على، أن “اللجنة فاتحت ضمن حملة للقضاء على الفساد الإداري والمحسوبية في هذا الملف، الجهات ذات العلاقة من أجل استحصال الموافقات اللازمة للخصخصة، إذ تمت الموافقة على تطبيقها في ناحية المنصور تليها المأمون، إذ تم التركيز عليهما بسبب كثرة أعداد المولدات”.وأردف أن “اللجنة طلبت من وزارة الكهرباء لحين تعميم التجربة، تزويدها بأوقات القطع المبرمج من أجل تحديد وقت تشغيل المولدات لاسيما مناطق أطراف بغداد التي تزداد بها ساعات القطع إلى (16) أو (18) ساعة في اليوم، وكذلك استبدال المحولات القديمة، إذ قامت باستبدال 60 محولة حتى الآن، فضلا عن القيام بحملة لتبديل شبكات التوزيع القديمة، بينما تمت مفاتحة وزارة النفط من أجل تخفيض سعر الوقود المجهز للمولدات وعدم قطع الحصص لضمان عدم تذرع أصحاب المولدات بعدم وجود حصص كافية لديهم و اضطرارهم لشرائه تجاريا”.

وأشار المشهداني إلى أن “هذه الإجراءات ستقضي على نسبة كبيرة من الفساد الإداري والمالي والمحسوبيات، منوها في الوقت ذاته بتغريم الكثير من المتعهدين بمبالغ تتراوح بين (10) إلى (15) مليون دينار، وكذلك حبس (183) متعهدا مخالفا، إلا أن هذه الإجراءات تعد مؤقتة بسبب إطلاق سراح الكثير منهم مقابل كفالة أو رفع المولدة ثم إرجاعها بعد مدة دون الرجوع إلى الجهات المختصة وأخذ الموافقات منها، وبالتالي فإن ملف المولدات رغم أنه خدمي لصالح المواطن، إلا أنه أصبح احتكاريا ويثقل كثيرا كاهل الأهالي، الأمر الذي يوجب خصخصة المولدات بالكامل لتتم السيطرة عليها من قبل الشركات المختصة”.

وأعلن مجلس محافظة بغداد، في 16 آب أغسطس الماضي، عن توجهه نحو خصخصة قطاع الكهرباء في جميع مناطق العاصمة تدريجياً، بهدف إنهاء ملف المولدات الكهربائية بنهاية العام 2024.ويعتبر بعض المختصين أن خصخصة الكهرباء قد تكون الحل النهائي لمعالجة أزمات الكهرباء في بغداد، فيما يرى آخرون أن هذه الخطوة قد تعيد إنتاج المشاكل نفسها بشكل مختلف، فالتجربة السابقة مع خصخصة القطاعات الأخرى لم تكن دوماً ناجحة، وقد تكون خصخصة الكهرباء مجالاً جديداً للتحديات، خاصة في ظل الوضع الاقتصادي الحالي.

يشار إلى أن الخصخصة هي مصطلح اقتصادي حديث أفرزته التطورات الاقتصادية التي حدثت في العالم ، وتعرف بـ:” إنها تحويل ملكية مؤسسات الدولة العامة إلى القطاع الخاص”، غير ان الدول النامية تنظر إلى الخصخصة بعين الريبة والشك، بوصفها أسلوباً اقتصادياً مفروضاً من قبل قوى وسياسية واقتصادية ، اذ كانت الدولة تقدم من خلال سلطتها العامة ومنشآتها ووزاراتها المملوكة لها بالكامل كل الخدمات من: كهرباء ومياه و صحة و تعليم و اتصالات وبريد و طرق وجسور، وانشاء البنى التحتية للبلد.

ولجأ العراقيون الى المولدات الكهربائية منذ نحو ثلاثة عقود لتأمين ساعات اضافية من الكهرباء، كبديل وحيد لسد العجز المتزايد في التجهيز، بعد تدمير البنى التحتية وشبكات الطاقة اثر حرب الخليج الثانية، ومع تقادم عمر المحطات الكهرو-مائية فضلاً عن  التزايد السكاني والتوسع في استخدام الأجهزة الكهربائية وعلى رأسها المكيفات.وفشلت الحكومات المتعاقبة، في معالجة المشكلة رغم انشاء محطات انتاجية جديدة.

 واستمر العجز نتيجة تضاعف الاستهلاك وفشل بعض المشاريع وتردي شبكات النقل، ما يضطر السكان وأصحاب الأعمال الى استخدام المولدات الأهلية لسد النقص.

لكن عوادم هذه المولدات تسهم وبنحو كبير في التلوث البيئي وتهديد صحة السكان في المواقع القريبة، بحسب متخصصين، لاسيما أن ارتفاع أسعار الديزل (الكازوايل) يدفع أصحاب بعض المولدات الى استخدام النفط الأسود ما يضاعف نسبة التلوث وبالتالي المخاطر الصحية.يضاف الى ذلك استهلاك كميات كبيرة من المياه لتبريد محرّكات المولدات، ناهيك عن ما تلفظه من زيوت، الى جانب الأخطار التي تنجم عن ملايين الأمتار من الروابط الكهربائية العشوائية بين محطات التوليد والمنازل والمتاجر.مع وجود 6 ملايين و700 الف مشترك في خطوط المولدات الأهلية، بحسب الارقام الرسمية، فإن دفع كل مشترك منهم شهريا لمبلغ 30 الف دينار فقط- وهو الرقم الأدنى لأي اشتراك- يعني تجاوز المبالغ المدفوعة للمولدات الـ 200 مليار دينار شهرياً.

وفي كل الأحوال تظل احصائيات نفقات المواطنين المسجلة على الكهرباء، مؤشراً على أن الحصة الأكبر من ايرادات بيع الكهرباء في العراق تذهب الى المولدات الأهلية بدلاً من وزارة الكهرباء.

إذ يبلغ سعر الأمبير الواحد من مولدات الكهرباء الأهلية المدعوم وقودها من الدولة 10 ألف دينار( 7,60 دولار) للإشتراك العادي(لساعات محدودة في اليوم) و 15-25 الف دينار (11,45 إلى 19,08 دولار ) لما يسمى بالأمبير الذهبي(يتمتع مشتركوه بتيار كهربائي متواصل لمدة 24 ساعة).وفي تصريح صحفي لوكيل وزارة التخطيط للشؤون الفنية ماهر حماد جوهان، ادلى به في 2023، أشار الى ان الجباية الحكومية لأجور الكهرباء، لا توفر سوى 6% مما تنفقه الدولة سنوياً على الطاقة الكهربائية، مبرراً عدم امتلاك وزارة الكهرباء لعائدات تمكنها من تحسين خدمة الطاقة.

وفي ذات الجانب، يشير تقرير لوكالة الطاقة الدولية، إلى أن قدرة العراق الإنتاجية من الطاقة الكهربائية تبلغ نحو 32 ألف ميغاواط، ولكنه غير قادر على توليد سوى نصفها بسبب شبكة النقل غير الفعالة التي يمتلكها، كما تشير التقديرات إلى أن العراق يحتاج إلى 40 ألف ميغاواط من الطاقة لتأمين احتياجاته، عدا الصناعية منها، فيما وقت يحتل فيه المرتبة الخامسة عربيا والـ50 عالميا من أصل 211 دولة مدرجة في الجدول كأكبر مستهلكي للكهرباء في العالم حسب مجلة CEO WORLD الأمريكية.

تعليقات
* لن يتم نشر هذا البريد الإلكتروني على الموقع.
حقوق النشر © 2024 جميع الحقوق محفوظة - وكالة انباء النافذة