تعد الأحياء الشرقية في باريس، ولا سيما في الدائرة الـ18، من المناطق التي تواجه تحديات كبيرة في الحفاظ على الأمن والنظام.ورغم التطورات العمرانية التي شهدتها المنطقة، مثل مشاريع التجميل الكبرى التي سبقت استضافة باريس للألعاب الأولمبية 2024، فإن الوضع الاجتماعي والأمني لا يزالان يشهدان تدهورًا متسارعًا.ووفقًا لتقرير صحيفة "لو فيغارو" الفرنسية، يعاني سكان هذه الأحياء انتشار العنف، وتجارة المخدرات، والتهريب، مع غياب كامل للرقابة الحكومية الفعالة، ما حول بعض الشوارع إلى معاقل للجريمة والفوضى.
الأحداث المؤلمة تكشف عن تفشي العنف
وأوضح التقرير أنه في 23 نوفمبر الماضي، اهتز حي "جوت دو أور" على وقع حادث مروع، إذ تعرض ثلاثة أشخاص للضرب المبرح باستخدام مطرقة من قبل مهاجمين مجهولين، في مشهد يعكس مستوى العنف المتصاعد في المنطقة.
وقبل ذلك بأيام قليلة، وفي حادث مشابه، قُتل رجل في الستينيات من عمره بالرصاص داخل أحد مطاعم "ماكدونالدز" في شارع "أورنانو"، بالقرب من محطة مترو "بارباس-روشوشوار".فيما وقع مشهد آخر في حي "ماركس دورموي" في أغسطس الماضي، إذ نشبت مشاجرة عنيفة استخدم فيها عشرات الأشخاص السكاكين والمناجل، ما يشير إلى درجة التوتر التي تعيشها المنطقة.وأكد التقرير أن هذه الحوادث تكشف عن تفشي العنف في الأحياء التي كانت في يوم من الأيام جزءًا من الحياة اليومية الباريسية الهادئة.
"قانون الغاب" في قلب باريس
وبحسب التقرير ، تنتشر في المنطقة مجموعات من الباعة الجائلين، الذين يسيطرون على الشوارع دون أي تدخل فعّال من قبل السلطات.
ووفقًا لسكان المنطقة، باتت الأحياء تحت سيطرة ما يسمى بـ "قانون الغاب"، إذ يغيب النظام وتنتشر الفوضى، من تجارة المخدرات إلى التهريب العلني للسجائر، يجد التجار والمسافرون المهاجمون طريقًا لهم في هذه المنطقة الواسعة، ما يشكل تهديدًا للسلامة العامة.وأشار تقرير الصحيفة الفرنسية أنه على الرغم من محاولة السلطات المحلية تجميل المنطقة، من خلال مشاريع واسعة لتحسين البنية التحتية، فإن تلك التغييرات لا تعكس الواقع على الأرض.وبين أن الكثير من السكان يشعرون بأن هناك غيابًا تامًّا للتنمية الاجتماعية المستدامة، ويعتقدون أن المنطقة لا تزال تعاني تجاهلًا حكوميًّا.
تفشي الجريمة المنظمة والتهريب
وأوضح التقرير أنه من بين الظواهر التي ازدادت في الآونة الأخيرة في حي "باب دي لا شابيل"، هو انتشار التهريب وتجارة السجائر المهربة.وأشار إلى أنه على الرغم من وجود الشرطة في بعض الأوقات، فإن هذه الأنشطة لا تزال تمارس بحرية.ويُقال إن العديد من المحلات الصغيرة التي يملكها مهاجرون أفغان تشهد أنشطة مشبوهة، مثل غسيل الأموال، ما يثير القلق بين سكان المنطقة.والتهريب لا يقتصر فقط على السجائر، بل يمتد أيضًا إلى منتجات أخرى غير قانونية، مثل المواد المبيضة للبشرة والمبيدات الحشرية، إذ إن هذه الأنشطة تؤثر بشكل كبير في الاقتصاد المحلي، إذ تفقد المحلات التجارية التقليدية، مثل محلات اللحوم والمخابز، مكانتها لصالح الأعمال التجارية غير المشروعة.
غياب التدابير الأمنية الفعالةعلى الرغم من الجهود التي تبذلها السلطات المحلية لتنفيذ برامج أمنية، مثل إنشاء مناطق أمنية ذات أولوية، فإن الوضع على الأرض لا يبدو أنه قد تحسن بشكل ملحوظ.من جانبه أكد "فيليب جيرول"، عضو جمعية "ديمين لا شابيل"، أن الشرطة لا تقدم الدعم الكافي للسكان في مواجهة الجرائم المتزايدة.وفي رأيه، فإن وجود قوات الشرطة لا يزال محدودًا في بعض المناطق، ما يعزز من مخاوف السكان بشأن افتقارهم للأمن.
الإهمال والتجاهل الرسمي
ويشعر السكان بالإحباط جراء غياب استجابة فعّالة من المسؤولين المحليين، إذ حاول العديد من السكان رفع شكاوى حول الأوضاع الأمنية، لكنهم لم يحصلوا على أي تجاوب يذكر من السلطات المعنية. في الوقت نفسه، تتواصل مشروعات تجميل الأحياء وتجديدها، لكن هذه التغييرات لا تصاحبها تدابير فعالة لمعالجة الأسباب الجذرية للجريمة والعنف.من جهته، تؤكد جمعيات مثل "ديمين لا شابيل" أن الحلول المطروحة لا تعكس احتياجات السكان الفعلية، وأنه من الضروري اتخاذ خطوات جادة للتعامل مع الأوضاع الأمنية والاقتصادية في هذه المناطق المهمشة.واختتم التقرير بالقول إن الأحياء الشرقية في باريس تظل نموذجًا صارخًا لتأثيرات الفقر الاجتماعي والإهمال الحكومي، في ظل غياب سياسات فعالة للحد من العنف وتجارة المخدرات والتهريب، ويبدو أن هذه المناطق ستظل تعيش تحت وطأة "قانون الغاب"، إذ يكتشف الجميع في كل يوم أن التغيير الحقيقي بعيد المنال.