رغم أن موطنها الأصلي في أميركا الجنوبية، إلا أنها أصبحت المشروب المفضل للكثير من أهالي بلاد الشام، تلك العشبة المجففة والمطحونة، تمكنت من صنع تراثها الخاص خلال زمن قصير، فصار لها معداتها وأسلوب إعدادها وطقوسها الاجتماعية.
عشبة ، التي جاء بها المهاجرون العرب العائدون أوائل القرن العشرين، من الأرجنتين والأوروغواي وبارغواي والبرازيل، لتصبح المشروب المفضل لدى مناطق واسعة في سوريا ولبنان، بعد أن أضافوا إليها الأعشاب المحلية، واجتهدوا في أسلوب تقديمها وتجهيزها.
وتنتشر المتة في مناطق القلمون بريف دمشق، وفي السويداء وريف درعا وريف حمص الغربي والسلمية والغاب في ريف حماة، وفي اللاذقية وطرطوس الساحليتين، كما تنتشر في العديد من المناطق اللبنانية.
المتة ترتدي حلة بلاد الشاموتضيف كل منطقة إلى المتة، أعشابها الخاصة، مثل الشيح والقيصوم والبابونج وإكليل الجبل والوردة الشامية و، بل إن البعض ذهب أبعد من ذلك، عندما استبدل الماء الساخن بالحليب.
واستناداً إلى التجربة، بات هناك خصوصيات في شرب المتة، تميز كل منطقة عن غيرها، وتختلف الطقوس أحياناً بين إنسان وآخر، من حيث درجة حرارة الماء، وأسلوب إعداد الكأس، وطريقة نقع مسحوق العشبة في الكأس.
في البداية، اشتهرت مناطق السويداء والسلمية، بشرب المتة بكأس واحدة تدور بالتسلسل على الضيوف، لكن مناطق الساحل، فضلت تخصيص كل ضيف بكأس يعدّها كما يحب، فحرص الناس هناك على حمل "مصّاصاتهم" معهم أينما ذهبوا.وكلما اتجهنا شرقاً نحو مناطق البادية، تغلب الأعشاب الصحراوية كالشيح والقيصوم، كإضافات على المتة، أما غرباً باتجاه الساحل، فتغلب إضافة إكليل الجبل والزعتر البري، بينما تفضل مناطق دمشق إضافة الوردة الشامية.الخصوصيات المحلية، أضافت على ثقافة المتة القادمة من أميركا الجنوبية معدات مختلفة، في مقدمتها "الصينية" والإبريق والكأس وعلبتي السكر والمتة، وكلها أدوات شكلها مختلف، وتصنّع خصيصاً للمتة ولا تستخدم لمشروب آخر.ويعتبر من يصبّ الماء الساخن بغزارة وسرعة، في كأس المتة، من عديمي الخبرة بإعداد هذا المشروب الهام في تلك المناطق، حيث يمكن لهذه الطريقة أن تسرّع رسوَّ أوراق المتة في قاع الكأس، وهي علامةً على انتهاء صلاحيتها.
"تعالوا نشرب المتة"
أصبحت المتة دليلاً على الاحتفاء بالضيف والتمسك به كي يجلس مطولاً، على عكس فنجان القهوة المناسب للزيارات السريعة. كما اعتُبر تقديم فنجان القهوة للضيوف عوضاً عن المتة، تقليلاً من شأن الضيف، أو دعوة لأن تكون زيارته مختصرة.وتتكرر في تلك المناطق، عبارات استُحدثت مع المشروب الجديد، مثل "تعوا اشربوا متة" أو "مرّوا اشربوا متة"، وتعتبر علامة على التودد والترحاب، بل إن عبارة "سنجدّد المتة" تعدّ دلالاً للضيف وأسلوباً للتمسك به حتى يبقى طويلاً.وخلال الحرب، وجد الكثيرون في مشروب المتة، تسلية لهم، نظراً لجلساته الطويلة والطقوس الاجتماعية التي ترافقه، وكان استهلاك المتة في المنازل، يرتفع في الشتاء، لأنها من المشروبات الساخنة التي تضاف إليها أعشاب معالجة أمراض البرد.
جدل اقتصادي بسبب المتة
وتسببت تصريحات وزارة الاقتصاد والتجارة الخارجية السورية، عن كميات المتة المستوردة سنوياً، بجدل في الأوساط الاقتصادية حول جدوى صرف تلك المبالغ على مشروب يمكن الاستغناء عنه.وتبعاً لأرقام الوزارة المنشورة في وسائل الإعلام، فإن ما استوردته سوريا من المتة عام 2019، وصل إلى 24799 طناً، بقيمة 28.537.287 يورو، أما في العام 2018، فوصلت الكمية إلى 33407 أطنان، أي ما قيمته 36.363.977 يورو.
وتصاعدت الدعوات خلال السنوات الأخيرة، لاستبدال الكميات الكبيرة المستوردة من المتة، بالأعشاب المحلية المتوفرة بكثرة في سوريا، مثل الميرمية والبابونج وإكليل الجبل والشيح والزعتر البري والقيصوم والوردة الشامية والختمية والمليسة وغيرها.
المتة اجتماعياً وصحياًالباحثة الاجتماعية أليسار فندي، ترى أن إيقاف استيراد المتة أمر صعب، وذلك بسبب تحوله لمشروب شعبي، يأتي في المرتبة الثانية بين المشروبات الساخنة بعد الشاي، وتضيف فندي لـ"إرم نيوز": "محبو المتة، سيحتجون على إيقاف استيرادها، فسوريا تستورد الشاي والبن، وربما العقبة هنا ليست اقتصادية، بل اجتماعية تتعلق باعتياد الناس على هذا المشروب وتناوله بشكل يومي".
وتبعاً للموسوعة العربية الشاملة، فإن عشبة المتة تحتوي على 3% من الكافيين، وفيها نسبة من معادن المغنسيوم، والمنجنيز، والبوتاسيوم، إضافة إلى فيتامين "سي" و"ب1" و"ب2"، وفيتامين "ج". والعديد من الأملاح المعدنية والمركبة.
وتضيف الموسوعة العربية، بأن المتة مفيدة في مكافحة الخلايا السرطانية، وتساعد في تعزيز الجهاز المناعي وتحارب العديد من الأمراض، لكن الإفراط في تناولها، يمكن أن يؤدي إلى العديد من الأمراض.
الخلاص من المتة، لا يبدو بالأمر السهل، فهو يشبه الخلاص من أو القهوة، ويزداد الأمر صعوبة مع رسوخ المتة في العادات اليومية وتحولها إلى جزء من المشروبات الشعبية. فالكثيرون هنا يقولون: "تفضلوا اشربوا المتة".