08 Aug
08Aug

من موقعها الإستراتيجي المستدير، في قلب وادي الحديدة الخصيب، غربي اليمن، احتلت مدينة "زبيد" الاستثنائية، مكانة مرموقة في الحضارة الإسلامية، بوصفها مدينة "العلم والعلماء"، التي نافست المنارات العلمية العربية، خلال القرون الماضية.بعد أكثر من ألف ومائتي عام على ذلك، تواجه "زبيد" التاريخية حاليًّا، ثنائي الإهمال والكوارث الطبيعية، على نحو يجعلها عرضة لفقدان مكانتها وقيمتها التراثية والثقافية، في زمن الانشغال بالحرب.

تاريخيًّا
على بعد 20 كيلو مترًا من شواطئ البحر الأحمر، لا تزال المدينة التي بنيت في القرن الثامن للميلاد، متمسّكة بمكانتها التاريخية، ومحتفظة بما تبقى من طرازها المعماري الفريد عسكريًّا ومدنيًّا، كمدينة مسوّرة ومخططة حضريًّا ومتجانسة، وفق طراز هندسي متأثّر بأساليب العمارة المصرية والتركية.
مرّت مدينة "زبيد" بمراحل كانت فيها العاصمة السياسية والاقتصادية لـ6 دول متعاقبة، منذ دولة "بني زياد" عام 819 ميلادية، وصولًا إلى الدولة "الطاهرية" حتى العام 1517، وهو ما يجعلها أيقونة أثرية، ذات مكانة تاريخية في الحاضر اليمني والعربي، ناهيك عن دورها المرتبط ببدايات انتشار الدين الإسلامي؛ إذ لا تزال بقايا مسجد "أبي موسى الأشعري" – خامس مسجد في الإسلام – تواظب على إرسال نفحاتها الروحانية في جنبات المدينة حتى اليوم.
 

في العام 1993، أدرجت المدينة في قائمة التراث العالمي التابع لمنظمة "يونسكو"، لكن مبانيها التاريخية استمرت في التدهور، وهو ما دفع السلطات اليمنية للمطالبة بإدراجها ضمن قائمة المواقع التراثية المعرضة للخطر في العام 2000.رغم ذلك، لم تسلم حاضرة "زبيد" في الأعوام التالية من الزحف (الحضري)، وباتت المباني الخرسانية تغزو المدينة باستمرار، ما أفقدها جزءًا كبيرًا من قيمتها التاريخية والأثرية، ويجعلها عرضة للإزالة من قوائم التراث العالمي، نتيجة للتدخلات البشرية غير المدروسة. 


الحاضر الموجع

وفي ظل استمرار الأزمة الحالية المعقدة التي يشهدها البلد، تراجع دور "الهيئة العامة للحفاظ على المدن التاريخية" الحكومية، وهي الجهة المعنية بإدارة وحماية المدن التراثية، فيما أصبحت "زبيد" تقاسي الإهمال وغياب الاهتمام والصيانة الدورية الاختصاصية.تتفاقم حدة المخاطر بشكل أكبر، مع جملة التداعيات المناخية التي يشهدها البلد؛ ما يجعلها عرضة للكوارث الطبيعية، ويهدد بإزالتها من القوائم التراثية العالمية.خلال الأسبوع الجاري، شهدت محافظة الحديدة غربي البلاد، الخاضعة لسيطرة ميليشيا الحوثي، أمطارًا وسيولًا غير مسبوقة منذ عقود، أودت بحياة 30 يمنيًّا، وكانت مدينة "زبيد" واحدة من بين أبرز مناطق الحديدة تعرضًا للأضرار.

انهيارات وأضرار

يقول سفير اليمن لدى منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (يونسكو)، محمد جميح، إن أحد ممرات مدينة زبيد التاريخية، المؤدية إلى سوق المدينة القديم، تعرّض للانهيار، جراء الأمطار الغزيرة المنهمرة مؤخرًا، إضافة إلى عوامل التعرية وحالة الإهمال التي تعيشها المدينة التراثية.وأضاف جميح، في تصريح خاص "، أن الحكومة اليمنية المعترف بها دوليًّا، لا تستطيع الوصول إلى هذه المدينة الواقعة تحت سيطرة الحوثيين، وهو ما جعله يخاطب منظمة "يونسكو" لتلافي هذه الحالة الطارئة، "وهناك صندوق لحالات الطوارئ، فيه مبالغ مالية لمثل هذه الحالات، ونتمنى أن يتم التحرك على نحو سريع".وذكر أن لدى "يونسكو" مشروعًا تم إقراره قبل فترة، لإجراء ترميمات في صنعاء القديمة وزبيد وشبام حضرموت، وعدد من مواقع التراث الأخرى في اليمن.مشيرًا إلى أن خطة هذا المشروع التي تشمل مدينة زبيد التاريخية، حددت ترميم 100 منزل لكل مدينة من المدن الأثرية اليمنية، المدرجة على قائمة مواقع التراث في اليونسكو. 

تأثيرات سلبية

ويرى مدير عام الإعلام بمحافظة الحديدة، لدى الحكومة اليمنية، علي الأهدل، أن مدينة "زبيد" قبل انقلاب ميليشيا الحوثي على الدولة، كانت تحظى برعاية واهتمام من قبل الدولة، ولها موازنة مالية للحفاظ على المدينة مواقعها المختلفة، كالجامع الكبير والمكتبة وغيرهما وإجراء صيانة دورية مدروسة، كحال بقية المواقع الأثرية في البلاد.وأشار الأهدل، إلى أن الحوثيين عقب وصولهم إلى الحديدة، اعتقلوا الخبراء الذين يتولون هذه المهمة، ثم سرّحوهم عن أعمالهم، واستبدلوهم بآخرين غير معنيين، وأوقفت موازنتها وجعلتها عرضة للإهمال، وهو ما أدى إلى تفاقم الأضرار وتراكمها دون أدنى رعاية على مدى السنوات الماضية.


وذكر أن الأمطار والسيول الأخيرة، أضرّت كثيرًا بهذه الأماكن الأثرية، "وبالتالي فإن ذلك ينعكس سلبًا على هذه المواقع، وعلى مكانتها وقيمتها".ودعا الأهدل، منظمة "يونسكو" إلى سرعة التدخل وإنقاذ ما يمكن إنقاذه من هذه المدينة الأثرية والتاريخية، واعتماد مشاريع لإعادة صيانتها والحفاظ عليها، قبل أن ينتهي أثر هذا الموروث الثقافي والحضاري الذي لا يمثل زبيد وحدها، بل على مستوى البلد والعالم.

تعليقات
* لن يتم نشر هذا البريد الإلكتروني على الموقع.
حقوق النشر © 2024 جميع الحقوق محفوظة - وكالة انباء النافذة